التنافسية مثل الديموقراطية .. اسم واحد وتطبيقات مختلفة

فجر الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للخدمات الجوية، سعادة الأستاذ سليمان الحمدان في مقابلة على صفحات جريدة ''الاقتصادية'' قنابل من العيار الثقيل (وقانا الله شر القنابل بمعناها الحقيقي)، وليست قنبلة واحدة. ولمن لم يقرأ المقابلة آمل أن يعود إلى عدد الإثنين (قبل الأمس) الموافق 1 شباط (فبراير) 2010 من جريدة ''الاقتصادية''، حيث يصعب إيجاز ما ذكر فيها من نقاط مهمة، وطروحات قد نتفق مع عديد منها، وقد نختلف مع بعضها. ولكن الجميل في هذه القضايا أننا يمكننا التحدث فيها عن أي قطاع في المملكة وليس قطاع النقل الجوي فقط.
قطاع النقل بشكل عام، والنقل الجوي بشكل خاص في المملكة قطاع لا يزال بعيدا كل البعد عن الحدود الدنيا من المستويات التي تمثل المملكة كبلد متطور ويعيش ثورة في المجالات كافة. لا أعتقد أن الناقلين الجدد الذين وُجدوا فجأة دون سابق إنذار في سوق النقل الجوي قادرون على المنافسة، بعد احتكار ''الخطوط السعودية'' عقودا طويلة هذا القطاع في المملكة. وحتى نكون واضحين فإن البدايات تتطلب حماية واحتضانا واضحا وهو ما كان عليه الحال في كثير من القطاعات الناشئة في كل دول العالم، فلا بد من تقوية الوليد الجديد حتى يكبر ومن ثم يتحرك ضمن منافسة كاملة. بالتالي لا يوجد اعتراض على احتكار الخطوط السعودية أو أي مشغل آخر خدمة معينة في البدايات أي قطاع. وقد سبق أن تحدثت عن قضية الناقلين وكيف باتوا ناقلين في المملكة؟ من أسس تلك الشركتين؟ وكيف حصلوا على الرخص كمشغلين أول وثان؟ فالجميع يعرف قصة نجاح تخصيص قطاع الاتصالات في المملكة، وكيف حقق هذا القطاع من الرخصتين التي منحتا لمشغلين جدد ينافسون المشغل الأول أكثر من 35 مليار ريال فقط للفوز بالرخصة، كما تدفع تلك الشركات الثلاث اليوم رسوما بنحو 10 في المائة سنويا (كما أذكر) كإيرادات للحكومة.
في حين أن قطاع النقل لم يستفد لا من الناقلين الجديدين ولا من الخطوط السعودية، بل إن مستويات الخطوط السعودية كانت أفضل مما هي عليه اليوم! هل تعرفون كيف أعرف كاونتر السعودية في المحطات الخارجية؟ ببساطة من كثرة العملاء خلف الكاونتر وليس أمامه كباقي شركات العالم! فنحن نعاني حتى من سد الحد الأدنى من الخدمات التي تحتاج إليها مدن المملكة، خصوصا أن طبيعة الحياة في المملكة لا تزال مركزية وبالتالي هناك حاجات ماسة لوجود نقل جوي أو عدد من الناقلين حتى يغطوا الحاجات الأساسية لنقل الناس وتلبية حاجات المجتمع، خصوصا فيما يخص قضية العلاج في المستشفيات المركزية في الرياض!
وتعقيبا على الحوار الذي دار مع سعادة الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للخدمات الجوية، والصرخات العالية التي أطلقها، والذي أعتبره أستاذي، فقد كان يعمل في القطاع المصرفي وأعتز أنا شخصيا بأن عملت مع هذا الرجل القيادي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأتفهم أوجاعه وإن كنت لا أتفق مع بعض نقاطه! فإن نقاطا محددة يجب ألا تلام بها الجهات الحكومية ولكن يلام فيها ملاك تلك الشركات، وأهمها قضية دراسات الجدوى. هذه قضية الملاك والمؤسسين، وهم من يتحمل عبء فشل النموذج الذي على أساسه تم تأسيس الشركتين واستثمروا أموالهم. وهنا أود القول وهي من بديهيات إدارة الشركات وبالذات الجديدة التي تريد دخول أسواق جديدة أو منافسة لسوق قائم، عندما تكون الأسعار من قبل المشغل الأول في حدود أو متوسط 700 إلى 800 ريال لتذكرة طيران من شمال إلى وسط المملكة. لكن الذي لا أفهمه أن يأتي من يقدم الخدمة بشكل مفاجئ ويعرض عليك تذكرة فقط بنحو 99 ريالا! كيف وعلى أي أساس تم التسعير إذن؟!
هذا يتم عندما يدخل مستثمر ليس لأن لديه معرفة في القطاع ولكن لديه مال فقط وقدرة على الدخول! النقطة الأخرى يفترض أن هناك ضمانات حكومية للمنافسة على غرار تنظيم قطاع الاتصالات منذ البداية، وإلا كيف يضع مستثمر ملايين الريالات دون أن يكون هناك حد أدنى من تلك الضمانات. ولكن كما ذكرت العملية منذ البداية لم تقم على تنظيم واضح! أذكر أن شركة ناس أو سما قالت في أحد الأيام على حادثة إلغاء رحلاتها من رفحا إن السبب أنه لا يوجد في المتوسط إلا خمسة ركاب فقط، وإن تكلفة المقعد الواحد تتجاوز 85 ريالا، في حين أن سعر التذكرة 90 ريالا فقط. وبالتالي هي خاسرة ولا تستطيع تحمل الخسارة إلى ما لا نهاية! مرة أخرى، لماذا 90 ريالا والمواطن كان يدفع للخطوط السعودية في المتوسط 700 ريال أو 800 ريال؟ لماذا لم تكن 350 ريالا أو 400 ريال، والمواطن سوف يكون سعيد جداً بتلك الأسعار إذا ما قارنها بالخطوط السعودية أولاً، ووجد خدمة معقولة تتناسب مع الأسعار، ووجد التزاما بالمواعيد وتغطية للمحطات التي يحتاج إليها.
المشكلة أن فكرة الطيران الاقتصادي أخذت كما هي في تجارب دول أخرى لديها بيئة نقل عام وجوي تنافسية ولديها بيئة تنظيمية جيدة، ولديها رؤية واضحة لمستقبل القطاع، ولديها تحالفات متكاملة لخدمات متكاملة تتعدى حتى حدود النقل الجوي إلى النقل بمفهومه العام من جوي وبحري وبري! وبالتالي وجدت شركتان غير قادرتين على العمل لأن وكما ذكر رئيس إحدى تلك الشركتين، النموذج الذي أسست علية ''غير صحيح'' أصلاً! وبالتالي كيف نطالب الجهات الرسمية بحل مشكلة هي أصلاً مشكلة المؤسس وليس الجهات الرسمية.
أما الجانب الرسمي فأقول إن التنافسية كتجربة لدينا لا تزال حديثة وبحاجة إلى أن تكون أكثر نضجا، وأكثر فهما للداخل المحلي، وللتجارب الخارجية وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه. ببساطة لا يعني أن هناك تجارب سابقة أنها ملائمة مائة في المائة، ولا يعني أيضا أنها يجب أن ترفض كاملة. ولكن المطلوب ببساطة معرفة الحاجات المحلية وكيف تقدم بأفضل الطرق التي تلائم البيئة وتلائم المستهدفين، دون أن يكون فيها إفراط أو تفريط. التنافسية بالضبط مثل الديمقراطية، اسم واحد لنماذج متعددة حسب التجربة البشرية ومدى عمقها وحسب الظروف المحلية لكل قطر. وبالتالي فكما لا يمكن إطلاق لقب أفضل ديمقراطية في العالم وإن حاول الغرب ذلك، فلا يمكن أيضا إطلاق اسم أفضل بيئة تنافسية في العالم وإن كانت هناك مؤتمرات بدأت اليوم تحاول تعميق هذا المفهوم الذي لا أفهمه! وسوف تعلمنا التجارب في المستقبل القريب خطاً محاكاة تجربة غيرنا لمجرد أنها تجربة قوية وناجحة في نظر شخص أو جهة ما! أنا مع أخذ تجارب الآخرين والاستفادة منها ولكن بفهم وفكر محلي يريد نقل الوطن من حال إلى حال أفضل في مختلف مجالات وشئون حياتنا. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي