زيادة مميزات التأمينات الاجتماعية الطريق الأول لتحفيز سعودة القطاع الخاص (2)

لعلي أبدأ هذا المقال بما بدأت به المقال السابق من ذكر إحصاءات مهمة لكنها تتعلق هذه المرة بمنشآت القطاع الخاص:
أكثر من 52 في المائة من منشآت القطاع الخاص يقل عدد موظفيها عن خمسة موظفين حسب إحصائيات مؤسسة التأمينات الاجتماعية عام 2008. في الجانب الآخر نجد أن المنشآت التي لديها أكثر من 60 موظفا تبلغ فقط 4.4 في المائة من منشآت القطاع الخاص.
هذه الأرقام تعطي دلالة واضحة على حقيقتين مهمتين في سعودة القطاع الخاص. الحقيقة الأولى: إن نجاح سعودة الوظائف لا يمكن أن تتم بمعزل عن المؤسسات الصغيرة والتي تمثل الشريحة الأكبر من منشآت القطاع الخاص. لذا لا بد من تدخل حكومي لدعم القطاع الخاص وزيادة مميزاته لأن الشركات الصغيرة لا يمكنها تقديم مميزات تتناسب مع متطلبات أو حاجيات المقبلين على العمل. فميزانيات المؤسسات الصغيرة محدودة ومواردها المالية قابلة للاهتزاز في أي لحظة.
ثانيا: إن عدم نضوج القطاع الخاص يرجع بصورة مباشرة لاستحواذ الشركات أو المؤسسات التي لديها أقل من خمسة موظفين على مجمل شركات القطاع الخاص مما يقلل رغبة السعوديين للعمل لديها.
ولعل المحورين أعلاه يقودان إلى طرح السؤال الآتي: كيف نضمن للموظف السعودي العمل في منشآت القطاع الخاص مع ضمان توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، حيث لا يكون عالة على المجتمع؟ التصريح الأخير لنائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد الذي قال فيه: ''نعترف بأن الرواتب متدنية وهناك مشكلة، وقد بذلت الوزارة مبادرات كبيرة لدفع القطاع الخاص والغرف التجارية في إيجاد حد لرواتب السعوديين في القطاع الخاص، وقد تم تحديد ذلك بـ 1500 ريال''، دليل على أن العمل في القطاع الخاص قد لا يكفل للعامل الاستغناء عن سؤال الناس وقد لا يحقق للعامل السعودي حياة كريمة. فالعمل إن لم يضمن للعاملين حياة كريمة بعيدا عن سؤال الناس فما الفائدة منه؟ وهل 1500 ريال تحقق المتطلبات الأساسية لحياة كريمة لدى العامل؟
لا شك أن الموظف السعودي العامل في القطاع الخاص يستحق التقدير والاحترام والإكرام بسبب حداثة تجربة القطاع الخاص مما يجعل العاملين في القطاع الخاص معرضين لأنواع من الظلم وسلب للحقوق. والمشكلة أن المواطن العامل في القطاع الخاص لا يستطيع المطالبة بحقوقه علميا لأن الشكوى لوزارة العمل ستقود رب العمل لعدم تجديد عقده السنوي (المصطلح القانوني لفصل السعودي العامل في القطاع الخاص). لذا فنحن في حاجة لوقفة صادقة مع العاملين في القطاع الخاص.
لا شك أن تحفيز القطاع الخاص ينطلق من زيادة مميزات القطاع المالية وترغب السعودي إلى العمل فيه. فلماذا لا تدفع مبالغ سنوية للعاملين في القطاع الخاص عبر التأمينات الاجتماعية تسمى بدل سعودة تحفز المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لزيادة مميزات العاملين في القطاع الخاص بما فيها المميزات التقاعدية؟ أو أن يسهم صندوق تنمية الموارد البشرية في دعم السعوديين العاملين في القطاع الخاص عبر دعم مالي مباشر لزيادة مخصصات التأمينات الاجتماعية مما يزيد موارد مؤسسة التأمينات الاجتماعية مما يسهم في ترغيب السعوديين للعمل في القطاع الخاص.
الغريب أن بعض تصريحات مسؤولي المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ليس فيها مراعاة النظرة الاستراتيجية لمسؤولي الدولة نحو القطاع الخاص. كما أنها نظرة لا تراعي سرعة نمو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، حيث إن أعلى نسبة نمو لمن هم أقل من 25 سنة بنسبة نمو بلغت قرابة 17 في المائة. العام الماضي، كما أن الأعداد المقبلة على الالتحاق بسوق العمل أعلى بكثير من الأعداد التي تنوي طلب التقاعد. فنسبة النمو السنوي لشركات القطاع الخاص عالية نسبيا وتراوح بين 14 و8 في المائة خلال السنوات الست الأخيرة مما يجعلنا نشعر بأن مدخلات المؤسسة أعلى بكثير من مخرجاتها. لكن ومع هذه المداخيل فإن المؤسسة في حاجة إلى دعم مالي سنوي حكومي يحفز المؤسسة لزيادة مميزاتها أما عبر مخصصات مباشرة من وزارة المالية أو عبر صندوق تنمية الموارد البشرية، حيث لا يكون هناك عذر لأحد من عدم تقديم الدعم اللازم للعاملين في القطاع الخاص.
فكل دعم مباشر لمؤسسة التأمينات الاجتماعية هو دعم مباشر لرفاهية المواطن. لذا نجد أن بعض دول الخليج المجاورة ينعم موظفو القطاع الخاص بالتقاعد المبكر بعد إكمال 15 سنة خبرة وهي حماية حقيقية لموظفي القطاع الخاص، خصوصا أن هذه الفترة يكون الموظف قد كون أسرة تستحق الحماية من متغيرات سوق العمل. لذا يجب ألا نقارن بعض الدول والتي تعاني زيادة المتقاعدين لديها كدول أوروبا وأمريكا. فألمانيا مثلا عام 1995 كان عدد العاملين مقارنة بالمتقاعدين 4.4 عامل لكل متقاعد واحد، لكن المتوقع أن تكون النسبة في عام 2020 2.1 من العاملين مقابل 1.9 من المتقاعدين وهي نسبة عالية، مما يفرض على الحكومة دعم الهجرة السنوية بمعدل 3.4 مليون سنويا من أجل تغطية العجز في القوى العاملة لديها.
الأعداد المقبلة للالتحاق بسوق العمل أعلى بكثير من الأعداد التي تنوي طلب التقاعد، خصوصا أن الشريحة الكبرى من السكان دون الـ 30 مما يجعلنا نشعر بأن مدخلات الصناديق الاستثمارية أعلى بكثير من مخرجاتها. نحن أمام تحد كبير في نجاح تجربة القطاع الخاص وتشجيع الشباب المقبل على العمل خصوصا من قبل الأعداد الكبيرة من الشباب الذين هم على وشك إنهاء بعثاتهم الدراسية في الخارج. فهم في حاجة إلى ترغيب للعمل بوضع مميزات تدعم تشجيع ولاة الأمر للشباب بالانخراط للعمل لدى القطاع الخاص. ولعل مبتعثي مشروع خادم الحرمين الشريفين أن يكونوا اللبنة الصلبة لقطاع خاص متماسك وصلب ينعم العاملون فيه على اختلاف شركاتهم بمميزات تحميهم وتوفر لهم عيشا كريما. ما نحتاج إليه هو دعم حقيقي للقوى العاملة الشابة في سوق العمل الخاص عبر زيادة المميزات التقاعدية لموظفيه، مما يجعل هناك توازنا بين غياب الأمن الوظيفي وما يقدمه القطاع الخاص من مميزات تقاعدية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي