تحديات مستقبلية أمام القوة الجديدة

تحديات مستقبلية أمام القوة الجديدة

تعد المصرفية الإسلامية حركة تنموية وإصلاحية للمعاملات المصرفية. ونجحت بالفعل في فرض نفسها كمعاملات أخلاقية, وفي الوقت نفسه فهي ذات صلة بالسوق الحقيقية سواء بالنسبة للإنتاج أو المنتجات المالية. وأثبت هذا القطاع أنه ليس مجرد بديل ناجح, بل إنه يتفق تماماً مع الإطار النظري للنظام المصرفي المثالي.

ومن التحديات المهمة التي ترصدها الدراسة خروج بعض الصيغ الإسلامية عن مضمونها, حيث إن بعض المصرفيين في تلك الصناعة انساقوا في تيار المصرفية التقليدية متخلين عن السمات المميزة لصناعتهم المطابقة للشريعة الإسلامية. ومن ثم فإن التحدي الأكبر هو ضرورة إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وهو الدور الأهم للتحالف بين الفقهاء والمصرفيين, حيث إن هذا التحالف من شـأنه حماية صناعة المصرفية الإسلامية من سيطرة الفكر الذي يسيطر على الكوادر التي درست الاقتصاد في جامعات الغرب، والعمل على تأقلمها مع الفكر الإسلامي. ويعمل الفقهاء على منح مظلة شرعية للبنوك التي تعمل طبقاً لأحكام الشريعة. ويكمن التحدي الحقيقي لعولمة الخدمات المصرفية في الدعوة لتحريرها, وهو الأمر الذي يفتح اقتصادات الدول الإسلامية أمام المؤسسات المالية الدولية العملاقة التي تمتلك من المقومات ما لا يتوافر للبنوك الإسلامية الناشئة. ويصب تحرير الأنشطة المصرفية - نظرياً - في جانب البنوك الإسلامية, حيث سيتيح مزيدا من المرونة اللازمة لتقديم منتجات متطورة. ولكن الصورة تختلف من الناحية التطبيقية, حيث إن هذا يتيح للبنوك التقليدية فرصة أكبر لمنافسة الأعمال المتوافقة مع أحكام الشريعة.

ويبرز تحدٍ آخر يتمثل في انخفاض معدل التعاطي مع التقنيات الحديثة الفاعلة بحسب ما تطرح الدراسة, إضافة إلى المشكلات الإدارية والهيكيلية. ومن تلك التحديات عدم وجود معايير موحدة لعديد من الأحكام الشرعية الخاصة بالمعاملات المالية, إضافة إلى وهن معايير المراقبة سواء على المستوى الداخلي عن طريق إدارة المؤسسة أو الخارجي عن طريق البنوك المركزية. وتشير الدراسة إلى بعض القصور فيما يخص التسويق والعمل على إرضاء العملاء. وتعتبر أن اندماج المؤسسات المالية الإسلامية من الخطوات المهمة التي تعد ملحة إلى حد كبير في المرحلة المقبلة. ومن خلال عمليات الاندماج يمكن للبنوك الإسلامية أن تزيد من رأس مالها مما يحسن من أدائها ويجتذب بالتالي أعداداً أكبر من العملاء. ويعمل الاندماج على زيادة فرص تلك المؤسسات في الوجود في السوق العالمية التي تضم عديدا من الكيانات العملاقة التي يحتاج التعامل معها, فضلاً عن منافستها, إلى كيانات مماثلة في الضخامة والإمكانات.

وتشير الدراسة إلى ضرورة توحيد الفتوى فيما يتعلق بالمعاملات المالية, حيث ترصد عدم رؤية الهيئات الشرعية في البنوك المختلفة للمسألة نفسها من زاوية واحدة, وهو الأمر الذي ينتج عنه تقديم توصيات مختلفة في أي بنك عن الآخر. وعلى هذا فإن الحاجة باتت أكثر إلحاحاً لوجود هيئة شرعية موحدة تحتوي أي خلافات فقهية قد تنشأ بين العلماء على اختلاف مذاهبهم واجتهاداتهم. ولا تقتصر ضرورة وجود معايير ثابتة على الناحية الفقهية, فالحاجة ملحة ايضاً لإيجاد معايير موحدة للتقارير وقوائم الميزانية العمومية وغيرها من المسائل المالية. كما يوصى بأن تتم معايرة تعريفات العمليات المختلفة إلى جانب طرق المحاسبة. وستسهم تلك الخطوة في توضيح الصورة بالنسبة للعملاء, كما أنها تعمل على نشر المصرفية الإسلامية سواء من الناحية الجغرافية أو الوظيفية، وتزيد من قدرة البنوك الإسلامية على تقديم خدمات أكثر وأفضل. وهذا من شأنه أن يطور من تطبيقات فكرة المصرفية الإسلامية نفسها. وثمة تحدٍ يتعلق بقصور في تدريب الكوادر المصرفية العاملة في البنوك الإسلامية, إذ يلاحظ أن انتشار تلك البنوك كان من السرعة بحيث لم يتم توفير التدريب الكافي للعاملين فيها, ومن ثم الإلمام بالآليات الحديثة المتعلقة بتلك الصناعة. ولجأت البنوك الإسلامية إلى استقدام موظفيها من البنوك التقليدية دون توفير التدريب الكافي, وهو ما تسبب في مشكلات تتعلق بفهم طبيعة دور الشريعة في العمل المصرفي والمنتجات المستحدثة في تلك الصناعة، وبالتالي يؤثر هذا في الاستشارات التي يقدمها هؤلاء الموظفون للعملاء بشأن طبيعة تلك المنتجات.

الأكثر قراءة