هل يمكن للصناديق السيادية أن تساعد التقنية النظيفة؟
إذا توجهت صناديق الثروة السيادية التي تدير أصولا قيمتها ثلاثة تريليونات دولار للاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، فقد يمكنها المساعدة في سد النقص المزمن في التمويل اللازم للتصدي لظاهرة التغير المناخي.
ولأن ثلثي ثروة تلك الصناديق التي أسستها دول من النرويج إلى الشرق الأوسط والصين يأتي من مشاريع النفط والغاز فمن شأنها أن تحسن صورتها عن طريق المساعدة في تمويل مشاريع الطاقة النظيفة.
ويواجه العالم عجزا سنويا قدره 150 مليار دولار في تمويل مشاريع خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولم يقدم فشل قادة العالم - في أثناء قمة كوبنهاجن في كانون الأول (ديسمبر) في الاتفاق على موعد نهائي للتوصل إلى اتفاقية جديدة للمناخ ملزمة قانونا - أي مساعدة لتعزيز قوة الدفع.
وربما يكون لصناديق الثروة السيادية دور رئيسي. وبحسب التقديرات فإن تلك الصناديق - التي تستثمر الفوائض الكبيرة للدول لصالح الأجيال المقبلة - لديها استثمارات في الأسهم تبلغ نحو 1.5 تريليون دولار كما أنها تستحوذ بالفعل على 4 في المائة من الشركات المسجلة في العالم.
ومن المتوقع أن تتضاعف أصول تلك الصناديق إلى أكثر من المثلين لتبلغ سبعة تريليونات دولار خلال أقل من عشر سنوات.
وبدأت بعض الصناديق بالفعل - وخصوصا صندوق النرويج الذي يبلغ حجمه 400 مليار دولار- ترسم لنفسها صورة المستثمر الذي يدرك أن عليه مسؤولية اجتماعية.
لكن أن تمول مستقبل التكنولوجيا النظيفة فهذا أمر ليس بتلك البساطة.
وأكبر العقبات حتى الآن - كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الاستثمارية الأخرى - هو ضعف العائد. ففي سوق ناشئة تهيمن عليها صناديق رأس المال المخاطرة وينقصها عمق السيولة لا توجد دلائل مقنعة على تفوق أداء التكنولوجيا النظيفة على الأصول من الأنواع الأخرى. فلا يوجد معيار واحد لقياس أداء ذلك القطاع.
وقال جين ليكون رئيس مجلس المشرفين بمؤسسة الاستثمار الصينية لرويترز العام الماضي «لن نقوم بذلك كنوع من الدعم.. سنفعل ذلك فقط عندما نرى أننا سنحقق ربحا. سنمارس مسؤوليتنا الاجتماعية في تحقيق أرباح وإعطاء المال لشعبنا».
لكن في ظل وجود سيولة كبيرة للاستثمار هناك علامات على اهتمام متزايد. فطالما دعمت شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل استثمارات صغيرة في القطاع من خلال تمويل التكنولوجيا النظيفة وكذلك دخل صندوق الصين في الآونة الأخيرة في مشاريع أكبر للطاقة النظيفة.
ونشطت بعض الصناديق السيادية بالفعل في تعزيز الأنشطة الأكثر حفاظا على البيئة في مجموعة كبيرة من استثماراتها.
وصندوق النرويج الذي يملك ثمانية آلاف شركة هو القوة الرائدة في مجال الاستثمار المسؤول بيئيا فهو - إلى جانب صندوق التقاعد في نيوزيلندا- من الموقعين المؤسسين لمبادئ الاستثمار المسؤول وهو إطار عمل تقوده الأمم المتحدة تشارك فيه نحو 600 مؤسسة استثمارية قيمتها الإجمالية 18 مليار دولار.
وحدد بنك نورجيس لإدارة الاستثمار الذي يشرف على الصندوق تفاصيل رؤيته بشأن إدارة التغير المناخي في أي شركة يمتلك أسهمها.وقال على سبيل المثال إنه يتوقع من الشركات أن تحلل الآثار التجارية لاستجابة الجهات التنظيمية للتغيرات المناخية وتقيس كميات الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري في الصيغ المناسبة وتحدد أهدافا واضحة للانبعاثات.
لكن عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات المباشرة فإن العبء يكمن في تفادي إعطاء ما سيكون فعليا دعما حكوميا.
والحكومة النرويجية بصدد وضع برنامج استثمار جديد لصندوقها يركز على الاستثمارات البيئية مثل الطاقة الصديقة للمناخ وتحسين كفاءة الطاقة والتقاط وتخزين الكربون وتكنولوجيا المياه وإدارة المخلفات والتلوث.
وقالت إنها قد تستثمر نحو 20 مليار كرونة نرويجية (3.45 مليار دولار) في مشاريع الطاقة النظيفة على مدى سنوات.
لكن البنك المركزي النرويجي الذي يدير الصندوق أبدى تشككا قائلا إن اختزال دوره فعليا في مجرد توفير الدعم الحكومي لخطط الطاقة النظيفة التي تروق للحكومة النرويجية قد يأتي على حساب تفويضه الواضح حتى الآن للسعي وراء أرباح مستدامة.
وقد تخدم مشاريع التكنولوجيا النظيفة أو الاستثمارات المسؤولة اجتماعيا مجموعة من الأغراض لقطاع صناديق الثروة السيادية المزدهر.
وأهم تلك الأغراض هو تعزيز الصورة الإجمالية عند الأخذ في الاعتبار ما تسميه المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة. فالنظرة إلى تلك الصناديق على أنها تقوم باستثمارات مسؤولة يمكن أن تساعد الصناديق التي تتعرض لضغوط من سياسيين غربيين يشكون في أنها قد تكون تهديدا للأمن القومي.
وهناك أيضا مكاسب مالية محتملة.
فالدخول في المزيد من المجالات المسؤولة اجتماعيا هو طريقة لتنويع المحافظ من حيث الأصول البديلة التي يمكن أن توفر عائدات غير مرتبطة بأنواع تقليدية من الأصول مثل الأسهم والسندات.
كما أنها تتيح وسيلة «للتحوط على مستوى الاقتصاد الكلي» أو طريقة لتعويض مخاطر التقلبات في الأوضاع المالية للدول والتي يسببها أي تراجع في سعر النفط أو مصادر الطاقة التقليدية.
وأيا كانت الأهداف فإن الصناديق قد يكون لها تأثير هائل على قطاع الطاقة النظيفة. فتخصيص ولو 1 في المائة من رؤوس أموال صناديق الثروة السيادية من شأنه أن يبلغ 30 مليار دولار أي نحو 20 في المائة من العجز السنوي الحالي في تمويل خفض الانبعاثات. ومساهمة تلك الصناديق من شأنها إيجاد دورة جيدة في الصناعة إذ سيتدفق المزيد من الأموال إلى القطاع وسيتحسن أداء الأصول فتجتذب مزيدا من المستثمرين.
وثبت أن لصناديق الثروة السيادية أثراً ايجابياً على الأسهم التي تستثمر فيها. وأظهرت دراسة أجرتها جامعة واشنطن أن إعلانات استحواذ صناديق الثروة السيادية تولد عائدات إيجابية استثنائية تبلغ 1.5 في المائة في المتوسط بينما أدى سحب استثماراتها إلى خسائر بنسبة 1.4 في المائة.