رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حماية منتجات وزارة التعليم العالي

موافقة خادم الحرمين الشريفين على تمديد برنامج الابتعاث الخارجي تأكيد على أن الاستثمار الحقيقي يتمثل في الاستثمار في العنصر البشري، الذي يمثل محور التنمية الحقيقية، ومصدر النمو المستقبلي للاقتصاد السعودي. كما أن هذا التوجه تبلور في دعم الجامعات الأهلية الوطنية بتقديم إعانات للطلبة الدارسين فيها. وهذا في مجمله يأتي في إطار ما تم تخصيصه لقطاع التعليم والموارد البشرية في الميزانية العامة للدولة، حيث مثل على مدى السنوات الماضية والسنة المقبلة ما نسبته 25 في المائة من حجم الميزانية.
استثمارات ضخمة بكل المقاييس توظفها المملكة في قطاع التعليم العالي تمثلت في افتتاح جامعات جديدة في مناطق مختلفة من أنحاء المملكة، والزائر لمعرض التعليم العالي الذي افتتح أبوابه في مركز معارض الرياض الأسبوع الماضي يبهر بحجم مشاريع المدن الجامعية المعروضة في جناح وزارة التعليم العالي. وما يثير الدهشة أكثر هو هذا الإقبال الكبير من الشباب السعودي ذكوراً وإناثاً على المعرض، مما يبعث على التفاؤل والأمل في مستقبل هذا الجيل.
في الوقت نفسه يمثل هذا الأمر تحدياً كبيراً لواضعي السياسة الاقتصادية، فهم سيكونون في مواجهة سيل عارم من الشباب المؤهل الذي يحتاج إلى أن تهيأ له فرص عمل تسهم في استنطاق مكنونات الإبداع والإنتاج لديه. الأرقام مذهلة ورغم عدم تمكني من الحصول على رقم دقيق بشأن المبتعثين في جميع أنحاء العالم، إلا أن تصريحات بعض المسؤولين بخصوص عدد الطلبة المتخرجين أو الذين على وشك التخرج تبعث على القلق بشأن مستقبل هؤلاء إن لم تكن هناك خطة واضحة لاستيعابهم في سوق العمل.
ففي العام الماضي تخرج من الولايات المتحدة وحدها قرابة الألف طالب، ويتوقع أن يتخرج ما يقارب ثلاثة آلاف طالب العام الجاري، وذلك حسب تصريحات الملحق التعليمي في واشنطن. وأضف إلى ذلك عدد الطلبة الذين سيتخرجون هذا العام من المبتعثين إلى الدول الأخرى، والطلبة الذين يتخرجون من الجامعات المحلية الذين تجاوز عددهم 80 ألف طالب، وستجد أن هناك رقما كبيرا جداً للمتخرجين السعوديين من مؤسسات التعليم العالي سواء من الجامعات المحلية أو الأجنبية.
وإذا أخذنا في الحسبان الزيادة المطردة في أرقام خريجي الثانوية العامة، فإن ذلك يعني أن هناك زيادة مطردة أيضاً في خريجي مؤسسات التعليم العالي في المستقبل، وبالتالي زيادة في الداخلين إلى سوق العمل. المشكلة أن هناك معاناة نلمسها من خريجي برنامج الابتعاث في الحصول على فرص العمل المناسبة لهم، على الرغم من تخرجهم من جامعات أجنبية وتمكنهم من اللغة الإنجليزية، وهو ما يدحض كما ذكرت في مقالات سابقة حجة عدم تناسب مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل.
هذه الحجة (مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل) التي روج لها سابقاً بعض رجال الأعمال الذين لم يرغبوا في التنازل عن المكتسبات التي تحققت لهم من استيراد العمالة (الرخيصة)، ودعمتهم في ذلك الغرف التجارية التي يتربعون على رئاستها، وانطلت هذه الكذبة على عدد من الأكاديميين والمسؤولين والكتاب فرددوها كثيراً في كتاباتهم وفي تصريحاتهم، وترددت أو تكاسلت وزارة التعليم العالي في الرد عليها، على الرغم من أنها سب علني وانتقاص للتعليم العالي السعودي وللمواطن نفسه.
هذه الحجة فندها الزميل الدكتور عبد الرحمن الزامل في استعراضه لتجربة مجموعة الزامل المتميزة في استقطاع وتدريب واستيعاب الشباب السعودي، وأنا أيضاً أفندها هنا بالتأكيد على أن سوق العمل هي سوق مصالح ومكتسبات لن يتم التنازل عنها بسهولة، وسيحارب أصحاب هذه المصالح للعمل على استمرار هذه المكتسبات، وسيجدون ما يكفي من الحجج وما يدعمها من الوسائل للوصول إلى مبتغاهم والمحافظة على مكتسباتهم. لكن يجب أن نتذكر أن هناك ضوءاً في آخر النفق المظلم، وأنه كما يوجد تجارب وأمثلة سيئة، فإن هناك تجارب مضيئة يجب أن نتعلم منها، تجارب شركات ورجال أعمال أدركوا تحديات المرحلة المقبلة، فعملوا على إصلاح ما أفسده الدهر.
أتألم كثيراً عندما أسمع عن معاناة شاب سواءً في الحصول على عمل، أو عندما يحصل على عمل في القطاع الخاص لمجرد إكمال متطلبات السعودة. وياسر أحد هؤلاء الذين درسوا في الولايات المتحدة، وتخرج حاملاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال بتقدير امتياز، وعندما عاد صدم بالواقع. الصدمة غيرت نظرته إلى واقعه، وزادت إعجابه بالغير على حساب الوطن، وأخشى أن يكون مصير الآخرين مثل مصير ياسر إذا لم يتم تدارك الأمر. في الوقت نفسه، نرى مطاراتنا تستقبل كل يوم الآلاف من الأجانب، والبعض برواتب لا يمكن تصورها، ولتتأكد من ذلك، حاول الدخول إلى مجتمعات هؤلاء لتعرف كيف يحكمون قبضتهم على سوق العمل.
وزارة التعليم العالي بذلت جهوداً كبيرة في الارتقاء بمستوى التعليم العالي في المملكة، سواءً من خلال تطوير الجامعات، أو افتتاح جامعات جديدة، أو من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي. لكن الوزارة غفلت عن جزء أساسي من العملية الإنتاجية وهو التسويق لمنتجاتها وحمايتها بالشكل الذي يكفل لها الانتشار في السوق. لم تعمل الوزارة على الدعاية لمنتجاتها (الخريجين) بالشكل المطلوب، بل تركت الباب مفتوحاً للمنافسة الأجنبية، مما خفض من قيمة هذه المنتجات وأضعفها أمام المنتجات الأجنبية. إذا كان التجار والصناعيون يطالبون بالحماية لمنتجاتهم الوطنية من المنافسة الأجنبية، فمن حق وزارة التعليم العالي أن تحمي منتجاتها من البشر الذين هم العماد الحقيقي للتنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي