التعويض عن الأسهم

أحياناً يفاجأ عميل أحد البنوك أو المصارف أنه قد وقع تصرف ما في محفظته غير مقبول, إما عمداً, أو خطأ, سواء بتنفيذ البنك صفقة على جزء من أسهم العميل بغير إذنه, أو بتنفيذ الصفقة على بعض أسهمه دون البعض الآخر, مخالفاً بذلك أمر العميل ببيع كل ما في المحفظة... إلخ, وحينئذ يطالب العميل بتعويضه عما لحقه من خسارة, فهل يكون التعويض بناء على كون الأسهم مثلية أو قيمية؟ وينبني على هذا الخلاف:
إذا قلنا: إن الأسهم مثلية, فإنها تضمن بالمثل.
وإذا قلنا: إنها قيمية, فإنها تضمن بالقيمة.
وفرق شاسع بين التضمين على الحالة الأولى أو الثانية.
وقد حضرت حلقة نقاش فقهية حول موضوعات عدة, ومن أبرزها هذا الموضوع, وقد اختلفت وجهات النظر حول هذه المسألة, ما بين متجه نحو التضمن على المثلية, أو على القيمية, والذي يظهر- والله تعالى أعلم - أن الأسهم لا ينبغي إطلاق القول فيها, بأنها مثلية أو قيمية, بل لا بد من التفصيل حسب نوع الأسهم:
1- فإن كانت الأسهم ذات قيمة اسمية, فهي مثلية؛ لأنها في فترة الاكتتاب لا تتعرض لأي اختلاف أو تفاوت, بل هي متماثلة الأفراد طيلة تلك الفترة, وهذا هو عين وصف المثلي.
2- وإن كانت الأسهم ذات قيمة دفترية, فهي مثلية أيضاً؛ لأن الأسهم جميعها متماثلة بالنسبة إلى ما تمثله من موجودات وديون وأرباح... إلخ.
وإن كانت الأسهم ذات قيمة سوقية «وهي المقصودة هنا», فنجد أنها بالنظر إلى اللحظة الواحدة تعد مثلية, أما بالنسبة إلى التغير الواقع فيها باعتبار ما يستجد للشركة من مشاريع وأرباح وخسائر... إلخ, وبالنسبة للتغير الواقع في العرض والطلب, فهي قيمية بهذا الاعتبار, وهذا هو الأمر الغالب على السهم السوقي, ولهذا يترجح القول بأنها تعوض حسب قيمة الأسهم, ولا سيما أن عدداً من الشركات تصبح أسهمها أحياناً في عداد الأموات, بسبب تلاشي قيمتها السوقية.
إذن, ينبغي ألا ينظر إلى الأسهم بنظرة حدية, إما المثل أو القيمة, بل ينبغي أن تلحق الأسهم بأكثرها شبهاً بها, فهي من جهة كونها متماثلة الأفراد في اللحظة الواحدة مثلية, ومن جهة كونها متغيرة على الداوم, فهي قيمية, وهذا هو الوصف الغالب, ولا ريب أن العبرة بالغلبة, لا بالندرة, كما لا يخفى, وبهذا النظر الفقهي تأتي صورة إلحاق الفرع الفقهي المستجد بأكثر الأصلين شبهاً به, وهو ما يعرف بقياس الشبه.
وقياس الشبه من المسائل الأصولية التي يندرج فيها فروع فقهية عديدة, ومنها المال المودع لدى البنك, فبالنظر إلى كون الشخص المودع قد قصد إيداع المال لدى البنك فإنه يعد وديعة, وبالنظر إلى كون المال مضمونا لدى البنك في حال التفريط والتعدي وعدمه فإنه يعد قرضا لا وديعة؛ إذ الوديعة لا تضمن إلا بالتعدي والتفريط, خلافاً للقرض الذي يضمن مطلقا, وهذا التكييف هو ما عليه أكثر العلماء المعاصرين, وهكذا في مسائل كثيرة.., هذا بالنسبة لقياس الشبه المتردد بين أصلين. أما قياس الشبه المرتبط بشبه الصورة فقط, فهو قياس غير معتبر, وهو الذي أنكره العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين, ومنه قياس إخوة يوسف, حين تقبلوا تهمة سرقة أخيهم بنيامين؛ احتجاجاً بسرقة أخيه..! (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) وهذا قياس فاسد؛ لأن العلة الجامعة بينهما هي الاشتراك في الصورة, طبعاً على التسليم بصحة التهمة المقيس عليها, وحاشا يوسف عليه السلام أن تتلطخ يداه بالسرقة, وهو النبي الذي ضرب أروع صور النقاء والنزاهة والإخلاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي