مركز الرياض للتنافسية .. رؤية أمير
''إنني أرحب بكل اقتراح من المواطنين هدفه تجميل مدينة الرياض''، ''نجاح أو فكرة المجلس البلدي مسألة تتعلق بالمواطنين ومدى إدراكهم لمهمته''، ''رائدنا الابتعاد عن الروتين وسرعة إنهاء قضايا المواطنين''، ''إنني في سبيل دراسة عدد من المقترحات الرامية إلى إيجاد عدد من وسائل الترفيه البري في الرياض''، ''سيتم إنشاء سدود حول الأودية التي تحيط بالرياض قريبا''، و''هناك الكثير الذي يمكن قوله عن مشاريع المياه وأعمالها، ولكننا نفضل أن يتحدث العمل عن نفسه''.
مقتطفات من حديث الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض يعود تاريخه إلى قرابة 46 عاما. أدلى سموه الكريم بهذا الحديث لجريدة ''الجزيرة'' بمناسبة صدور عددها الأول في 30 حزيران (يونيو) 1964م، حمل الحوار في طياته رؤية أمير تاريخية لمستقبل عاصمة سياسية ناشئة تتطلع إلى أن تأخذ مكانها الطبيعي ضمن العواصم العالمية بما يتناسب ومكانتها السياسية والثقافية كعاصمة للسعودية.
أعيد قراءة صفحات التاريخ عقب صدور أمر الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض الأسبوع الماضي بإنشاء مركز الرياض للتنافسية للرفع من تنافسية مدينة الرياض. تطور استراتيجي مهم يتوقع أن يضيف لتنمية مدينة الرياض نقلة نوعية شبيهة، من حيث الكيف، بالنقلة التي حدثت لمدينة الرياض منذ قرابة 50 عاماً مضت حتى اليوم، ومتباينة، من حيث الكم، عن تلك السابقة بما يتناسب وسرعة نمو منظومة الاقتصاد السعودي. إنه من الأهمية بمكان قبل الخوض في غمار الموضوع الرجوع إلى أدبيات التنافسية لمدارسة تعريف التنافسية. تُعرَّف التنافسية على أنها قدرة وأداء منظومة اقتصادية على إمداد سوق معينة بشكل مستديم بخدمة أو سلعة. قد تكون هذه المنظومة الاقتصادية شركة، أو قطاعا، أو صناعة، أو دولة، أو مجموعة دول. وفي سياق مركز الرياض للتنافسية، فإن ذلك يعني قدرة وأداء مدينة الرياض على إمداد منظومة الاقتصاد العالمي بشكل مستديم باحتياجاتها من المقومات الاقتصادية المطلوب توافرها في المدن العالمية العصرية المتكاملة.
تدفعنا النقلة النوعية المتوقعة لمدينة الرياض إلى مراجعة ذكريات الماضي لتاريخ مدينة الرياض قبل أكثر من 50 عاما للتعرف على الوضع الاقتصادي القائم إبان تلك الفترة الزمنية. الدافع الرئيس خلف تلك المراجعة رسم ملامح التغيّر في النقلة النوعية لمدينة الرياض منذ الماضي حتى اليوم، ومن ثم محاولة استقراء النقلة المتوقعة المقبلة، ما من شأنه بناء المقومات الكفيلة، بعون الله تعالى، من استثمار المستقبل الاستثمار الأمثل. كانت الحركة التجارية في مدينة الرياض تنحصر في ساحة الصفاة لما تمثله من مركز المدينة وملاصقتها للجامع الكبير ''جامع الإمام تركي بن عبد الله'' وقصر الحكم. مثلت ساحة الصفاة نقطة التقاء لمجموعة من الأسواق التجارية.
السوق المسقوف، سوق الهدم، سوق الخرازين، سوق النساء، سوق الجزارين، المجلب، مجلب الغنم، سوق العلف، دخنة، والحراج. جميعها أسواق تجارية تباينت أنواعها بتباين منتجاتها التجارية المتداولة، ارتكزت هذه الأسواق في تعاملاتها المالية على الخدمات المقدمة من شارع الصرافين ذي دكاكين الصرافة القليلة المصطفة جنوب الجامع الكبير. أسهمت هذه الأسواق في تلبية احتياجات سكان الرياض، وما جاورها من المنتجات والخدمات المختلفة. واعتمدت هذه الأسواق في تلبية الاحتياجات على نشاط مينائها البري في ذلك الوقت، المقيبرة، وما شكلتها المقيبرة من نقطة وصول الجمالين من الطرق التجارية الأربعة الرئيسة: الهند عبر الأحساء، و الكويت عبر الزلفي، والشام عبر الرس، والحجاز عبر القويعية.
اعتمدت الحركة التجارية في مدينة الرياض على ثلاثة مقومات رئيسة. الأول، الأمن وما وفره الحامي، والحفور، والسور من حماية لمدينة الرياض، وعلاقتها بأحباس التقاضي حول ساحة الصفاة. والثاني، العلم وما وفرته حلقات المساجد، وحلقات البيوت، وحجر الأطفال من نظام تعليمي، وعلاقتها بآليات التعليم المختلفة كالدخالة، والكسوة. والثالث، الصحة وما وفرته دكاكين بن مهيني، وأبو عون وبن دكان من خدمات صحية مختلفة، وعلاقتها بأعشاب التطبيب البرية المنتشرة في البراري المجاورة.مرت حركة مدينة الرياض التجارية البسيطة هذه بنقلة نوعية على مدار الـ 50 عاما الماضية. أتت النقلة، بعد توفيق الله، ترجمة لما مرت به البلاد من خير ونماء في ظل سياسات ولاة الأمر الحكيمة في تلبية احتياجات منظومة الاقتصاد السعودي من المقومات الرئيسة لتحقيق التنمية المستدامة.أصبحت الرياض اليوم عاصمة سياسية عالمية تزخر بمنظومة اقتصادية عالمية تؤثر وتتأثر بنمو منظومة الاقتصاد السعودي، بشكل خاص، والإقليمي، بشكل عام. ترتكز هذه المنظومة الاقتصادية لمدينة الرياض على مقومات الماضي الثلاثة ذاتها، ولكن باختلافها كما ونوعا. حيث تحظى الرياض بالأمن والأمان، وببنية تعليمية تغطي جميع مراحل التعليم المختلفة، وبمنظومة خدمات صحية متنوعة.
يأتي تأسيس مركز الرياض للتنافسية ليعلن نهاية مرحلة قائمة، وبداية مرحلة جديدة، نهاية نقلة نوعية قائمة من رياض الأمس إلى رياض اليوم، وبداية نقلة نوعية جديدة من رياض اليوم إلى رياض الغد. يأتي تأسيس المركز في باكورة النقلة النوعية المتوقعة ليعمل كأداة لتحقيق رؤية الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض، والمتمثلة في ''الرفع من تنافسية مدينة الرياض''. وتأتي آلية بلوغ الرؤية من خلال رسالة المركز، والمتمثلة في ''أن تكون الرياض مركز استقطاب إقليميا ودوليا للاستثمارات، وبما يتناسب مع مكانة الرياض السياسية والثقافية كعاصمة للسعودية، وبما تشهده من تطورات ونهضة عمرانية واقتصادية شاملة''.
تنبثق من هذه الرسالة مجموعة أهداف رئيسة، لخصها الأمير محمد بن سلمان المستشار الخاص لأمير منطقة الرياض ورئيس مركز الرياض للتنافسية في رفع تنافسية اقتصاد مدينة الرياض، ورصد أهم المجالات التي تمتلك فيها الرياض ميزة تنافسية، ورصد أهم المجالات التي تحتاج إلى تطوير، وإعداد الدراسات، وتقديم الاستشارات، وتحديد الأولويات المطلوبة للتطوير والتحسين ورفعها لأمير المنطقة، وأخيراً، إيجاد الآليات المناسبة لإبراز الفرص الاستثمارية والمقومات الاقتصادية التي تزخر بها مدينة الرياض.
إنه من الأهمية بمكان التأكيد على العمل على خمسة محاور رئيسة ذات أبعاد ثلاثية من شأنها، بعون الله تعالى، المساهمة في تحقيق أهداف مركز الرياض للتنافسية وبلوغ رؤية الأمير. أما الأبعاد الثلاثية فهي البعد المحلي، والإقليمي، والعالمي. وأما المحاور الخمسة فأولها، الجانب التنظيمي، وتندرج تحته جميع سياسات وإجراءات عمل مركز الرياض للتنافسية. والمحور الثاني، المقومات المستهدفة، سواء كانت تلك التي ستتولى إنشاء، وتشغيل، وتنمية المركز، أو تلك التي يستهدف المركز استقطابها كالاستثمارات الأجنبية. والمحور الثالث، البنية التحتية، وتندرج تحتها كفاءة المؤسسات والهيئات ذات العلاقة، ومدى الانسجام والانسيابية فيما بينها. والمحور الرابع، مواءمة الموارد، وتندرج تحتها كفاءة العملية التشغيلية للمركز في مواءمة الموارد القائمة مع الأهداف الموضوعة. والمحور الأخير، معايير الأداء، ويندرج تحتها جميع المعايير الكمية الكفيلة بقياس الأداء العملي مع الإنتاج المستهدف.
إنه من الأهمية بمكان بلورة هذه المحاور الخمسة من منظور الأبعاد الثلاثة أعلاه بما يسفر عن خطة تشغيل مناسبة تكون قادرة على ترجمة أهداف مركز الرياض للتنافسية إلى واقع ملموس وبلوغ رؤية الأمير ضمن الجدول الزمني المأمول بما يضمن تحول مدينة الرياض إلى مركز نقطة تحول أساسية لمدينة الرياض في تعاطيها مع القضايا والموضوعات الاقتصادية، ومنطلق للأفكار والمبادرات الخلاقة، ومنبر دعم التواصل مع الجهات الدولية، بعون الله تعالى.