رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الأعمال الخيرية وقت الأزمات

بدعوة كريمة من الدكتور عبد العزيز العمري صاحب منتدى العمري، سعدت بحضور محاضرة الدكتور عبد الرحمن السويلم عضو مجلس الشورى التي عقدت مساء يوم الجمعة السابع من شهر صفر لعام 1431هـ, حيث تناول المحاضر الكريم في محاضرته الجهات الخيرية السعودية, والعمل في الأزمات, وقد مثلت المحاضرة لي وللإخوة الحضور مناسبة لإثارة كثير من التساؤلات بشأن العمل الخيري في هذه البلاد المباركة التي تزخر بكثير من النعم والخيرات. ونظراً لأهمية العمل الخيري في تكاتف المجتمع, ووحدته تحقيقاً لقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، لذا رأيت أهمية تناول هذا الموضوع لمشاركة القراء الكرام شيئاً مما عرضه المحاضر, علماً بأنه سبق لي وفي هذه الزاوية تناول موضوع العمل الخيري في أكثر من مقال وبالتحديد عندما حدث زلزال العيص, وكذلك عندما حدثت كارثة سيول جدة.
كل المجتمعات تنشط فيها الأعمال الخيرية, ولكن المجتمعات تتفاوت أعمال الخير فيها من حيث الحجم, وسعة الانتشار, والنظم, والإمكانيات, وكذلك التداخل بين الأعمال الخيرية الرسمية أي التي تخضع لإشراف الحكومة, أو تلك التي يضطلع بها الناس إما بصورة فردية, وإما بصورة جماعية من خلال الجمعيات الأهلية. وما من شك أن العمل المؤسسي الذي يخضع لنظام, وإجراءات متعارف عليها يكون أكثر فائدة وأضمن في استمراريته, وديمومة عطائه للمحتاجين إلى خدماته.
العمل الخيري يمكن تصنيفه حسب المحتاجين للخدمة من حيث المرضى, والفقراء, والمعوقين, وكبار السن, والمنكوبين بسبب الحروب, والأزمات الطارئة كالزلازل, والبراكين, والفيضانات, والسيول, ولذا لا بد من عمل منظم يُمَكِنُ من تقديم الخدمة المناسبة, وفي الوقت المناسب, وفي ظني أن كارثة جدة, وما ترتب عليها من دمار, وتشريد للآلاف من منازلهم كشفت حجم القصور الذي يعانيه مجتمعنا في جانب العمل الخيري ليس في حماس الناس, ورغبتهم في تقديم المساعدة والعون, ولكن في آلية إدارة الأزمة بشكل يضمن وصول الخدمة بالسرعة المناسبة, والمستوى اللائق الذي يحفظ للناس أرواحهم, وممتلكاتهم, وكرامتهم بأكبر قدر ممكن.
حاولت وأنا أستمع للمحاضر الكريم أن أجعل من كارثة جدة حالة أطبق عليها كثيرا من مفاهيم وآليات العمل الخيري, وتجارب الآخرين التي تطرق لها فألفيت أن العمل الخيري يستلزم نجاحه ثقافة عامة تسهم في نشرها, وتثبيتها لدى الناس من خلال المدارس والجامعات, ووسائل الإعلام بصورة عامة, وكذلك خطباء المساجد, فوعي الناس مهم لتشجيعهم, وحثهم على فعل الخير, وأفضل طريقة لذلك, كما أن وجود الأنظمة تمثل إحدى ركائز العمل الخيري التي تحفظ لمقدم الخدمة حقه المعنوي وتسهل له القيام بدوره أثناء الأزمة, وكذلك تحفظ لمن تقدم الخدمة له حقه في وصول الخدمة بالشكل المناسب, بدلاً من أن يكون عرضة للابتزاز من قبل أصحاب المنافع الذين يتحركون في مثل هذه الظروف لتحقيق مكاسب فردية, أو إثارة بلبلة بين المنكوبين, وذوي الحاجة, وتقلل من مشاعر الغضب والقلق الذي يمر به نتيجة وضعه السيئ.
قاعدة المعلومات بشأن المتطوعين في مختلف المجالات كالمسعفين, والسباحين, والأطباء, والإخصائيين النفسيين, والاجتماعيين, إضافة إلى ذوي الخبرة في الإيواء, والتغذية، إضافة إلى معلومات بشأن المعدات والأجهزة التي يستلزم الأمر استخدامها أمر يفتقده مجتمعنا، حيث لا توجد قاعدة معلومات يمكن الرجوع إليها وقت الأزمات التي قد تحدث هنا أو هناك من أجزاء الوطن, ولذا فإن هذا الأمر يفترض أن يحظى بالاهتمام, إذ لا بد من قاعدة معلومات وطنية بالجمعيات, والمتطوعين, ومراكز الإيواء المفترضة على خريطة الوطن كافة، حيث يسهل الاتصال, والتحرك من أقرب مكان تقع فيه أي كارثة ـ لا سمح الله.
وحتى نضمن نجاح العمل الخيري لا بد من التدريب على أعمال الإغاثة, إذ لا يمكن ترك الأمور للاجتهادات الفردية التي تنتج أثناء الأزمة, فهذا الوضع من شأنه مضاعفة المشكلة, وتعقيدها بدلاً من إيجاد الحلول, والتخفيف من آثار الأزمة, والأضرار الناجمة عنها.
مصادر التمويل أمر مهم, ولا بد من التفكير فيه بشكل جدي, إذ لا يمكن الاعتماد على الجهات الحكومية فقط, بل لا بد من استحداث مصادر تمويل تسمح بتحقيق الأعمال الخيرية بشكل صحيح من التبرعات, والمنح, والأوقاف, وكذلك البنوك التي ليس لها دور واضح في هذا المجال رغم الإيرادات الضخمة التي تحققها, ولنا في البنوك الغربية أسوة في هذا الشأن، حيث تفرض عليها الحكومات نسبة تقدمها للأعمال الخيرية.
إن التزاوج بين الجهود الحكومية, والجهود الشعبية بشأن الأعمال الخيرية سواء في الظروف الاعتيادية, أو أوقات الأزمات أمر لا بد منه من خلال مظلة كبيرة تعنى بهذا الشأن, ويكون تخصصها الوحيد, وفق فلسفة عمل, وأنظمة وإجراءات, وموارد ثابتة, وكوادر يمكن الوصول إليها وقت الحاجة في التخصصات كافة بدلاً من ترك الأمر حتى تقع الأزمة ثم نبدأ بالتفكير, والبحث عن الحلول مما يعوق الحلول, ويزيد من الأزمة. لقد ذهلت من الإحصائيات التي ذكرها الدكتور عبد الرحمن السويلم, حيث أشار إلى أن أمريكا يوجد فيها مليون و500 ألف جمعية, ويعمل فيها أكثر من عشرة ملايين متطوع, أما إسرائيل فيوجد فيها 33 ألف جمعية خيرية, أما مجتمعنا فجمعياته الخيرية تقارب 600 فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي