وزارة المالية وديوان المظالم .. من الذي أنصف التأمين؟

نشرت إحدى الصحف المحلية أخيرا، خبراً مفاده أن خلافاً نشأ بين ديوان المظالم ووزارة المالية نتيجة قيام الديوان برفض قرارات لجان الفصل في منازعات التأمين التي يتم التظلم بشأنها استناداً إلى أن هذه اللجان قد تجاوزت نطاق اختصاصها حينما أصدرت قراراتها في مسائل تتعلق بالتأمين التجاري المحرم شرعاً بينما اختصاصها هو في التأمين التعاوني فقط. وقد أسس الديوان حكمه بحسب خطاب وزير المالية التي نشرت تلك الصحيفة مقتطفات منه على أن المعمول به في التأمين الذي تنظر فيه لجان الفصل في منازعات التأمين هو أن الفائض لا يوزع جميعه على المشتركين لأن 90 في المائة من فائض اشتراكات التأمين تُرحل لحساب مُلاك الشركة المساهمين كأرباح، وهذا يعد مخالفاً لنظام التأمين التعاوني الذي يقتصر دور الشركة فيه على إدارة التأمين دون أن تمتلك الأموال، وبذلك فإن لجان التأمين ارتكبت عيبا من عيوب القرار الإداري وهو عيب المحل «عيب مخالفة القانون أو النظام»، فعندما تعمدت اللجنة إلى مد نطاق القاعدة القانونية ليشمل حالات لا تدخل في نطاقها أصلاً تكون قد ارتكبت عيباً من عيوب القرار الإداري.
وفي الرغم من الأداء الضعيف للجان فض منازعات التأمين إلا أنني أجد نفسي هذه المرة في صف هذه اللجان، وأعتقد أن ديوان المظالم لم يكن موفقاً في توجهه هذا فهو قد عاب على لجان فض منازعات التأمين أنها خالفت النظام حينما حكمت بمسألة تخرج عن اختصاصها النظامي وهو التأمين التجاري بينما هو أوقع نفسه في المحظور الذي يعيبه على تلك اللجان. فديوان المظالم قد تجاوز اختصاصه حينما حكم بعدم نظامية قرارات هذه اللجان لأنه بذلك قد خالف صريح لائحة نظام مراقبة شركات التأمن التعاوني التي تلزم شركات التأمين بتوزيع فائض التأمين بين المشتركين وحملة الأسهم، وهو أيضاً قد خالف نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني والذي يشترط على شركات التأمين أن تكون شركات مساهمة إذ كيف يتصور أن هناك شركات مساهمة دون أن يكون هناك فائض يتم توزيعه على المساهمين؟! ولذلك فاللائحة راعت حقوق المشتركين وفق ما يقضي به نظام التأمين التعاوني وكذلك حقوق المساهمين وفق ما يقضي به نظام الشركات. كما أن شركات التأمين التي يطعن ديوان المظالم في عملها من الوجهة الشرعية والنظامية هي شركات تخضع لهذه الاشتراطات النظامية المنصوص عليها في الأنظمة المعمول بها والتي تراعي في الوقت نفسه الحد الأدنى من الجوانب الشرعية لاسيما في ظل غياب معايير شرعية واضحة لماهية التأمين التعاوني المتفق عليه وتضارب الفتاوى الشرعية في هذا الشأن.
ولهذا فينبغي أن ندرك جميعاً أن شركات التأمين تعمل لدينا وفقاً للاشتراطات النظامية ولم تبتدع شيئا من (رأسها) حتى يقال عنها إنها شركات تأمين تجاري وليست شركات تأمين تعاوني، علاوة على أن الجهات المختصة وعلى رأسها مجلس الوزراء لم يُرخص لها إلا بعد أن تم التأكد من أنها راعت الجوانب الشرعية والنظامية.
كما أن اختصاص ديوان المظالم متعلق بمدى مراعاة قرارات هذه اللجان وتوافقها مع المتطلبات النظامية لا أن يتجاوز نطاق اختصاصه، وينصب نفسه محكمة دستورية ويتجاوز بذلك صلاحياته المخولة له من مراقبة ملائمة قرارات اللجان للأنظمة إلى مراقبة ملائمة اللوائح والأنظمة للقناعات الخاصة المعتمدة على الفتاوى المتضاربة في هذا الشأن. فالنظام حينما نص على أن تكون شركات التأمين المرخصة تعمل وفق أسلوب التأمين التعاوني فإنه ترك للائحة بيان حدود هذا التأمين التعاوني واللائحة لم تهمل ذلك فهي نصت على مسألة توزيع الفائض على المشتركين مثلما لم تهمل مسألة أن النظام اشترط أن تكون شركات التأمين شركات مساهمة وراعت اللائحة حقوق المساهمين أيضاً.
وأخلص بذلك إلى أن الطعن في عمل شركات التأمين الذي يخضع للاشتراطات النظامية هو طعن في اللائحة والطعن في اللائحة هو طعن في النظام والطعن في النظام هو تجاوز للصلاحيات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي