رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أين رجل المرور من فوضى المرور؟

ليس من غير المألوف أن تسير في مدننا أياماً وليالي دون أن تُشاهد إنساناً واحداً مسؤولاً عن حركة المرور ومراقبة السير كما هو الحال في معظم بلدان العالم، إلا ما يظهر أحياناً من وجود جندي قابع داخل مركبته الواقفة في أحد مفترقات الطرق التي تُواجه في بعض الوقت ازدحاماً غير عادي، ويمكن القول أنه لا يفعّل دوره ما دام أنه لم تحدث حوادث سير قريبة من مكانه. وهذا شيء جميل لو أن كل أفراد المجتمع البالغين عُقلاء ويتمتعون بقدر من المسؤولية تجاه إخوانهم المواطنين ويحترمون الأنظمة التي تُحقق السلامة والراحة للجميع. ولقد تحدثنا وتحدث الكثيرون عن موضوع الانفلات غير الطبيعي في قيادة المركبات داخل المدن وخارجها، وما يحدث من مخالفات غير مقبولة تُؤدي في أغلبية الأحيان إلى خسائر في الأرواح وإصابات بليغة وهدر للأموال، في مسلسل لا نهاية له. وسنظل نثير الموضوع من وقت إلى آخر حتى يتحسن الوضع ويدرك كل منْ لديه أثارة من علم ووعي أن لا مفر من الأخذ بوسائل السلامة إذا أردنا السلامة لأنفسنا ولأفراد عائلاتنا. واللافت للنظر أن شعبنا يُشاهد يومياًّ وقوع الحوادث المرورية المميتة وكأنه أمر طبيعي عليه أن يتقبل نتائجه دون مُساءلة. ولا أحد يُدرك، إلا قلة من المواطنين الذين يتمتعون بوعي إنساني وحضاري، أن أسباب تلك الحوادث الفظيعة المتكررة من الممكن أن نتجنب أغلبيتها وأن نُقلل بقدرة الله من شدة الإصابات التي تحدث من جراء الحوادث المرورية. فما علينا إلا أن ننشر الوعي وثقافة القيادة السليمة بين أفراد المجتمع، ونبدأ بأولادنا من المراحل الأولى من حياتهم وفي مدارسهم حتى يتشربوا الإحساس بالمسؤولية تجاه سلامتهم وسلامة الآخرين. ومن الواضح من الإحصائيات التي تُنشر عن حوادث السير أن قسماً كبيراً منها يكون سببه وضحاياه من الشباب ـ هدانا وهداهم الله.
والأمر في ُمنتهى البساطة لو أعملنا عقولنا وتفكيرنا فيما يعود على الجميع منا بالخير ودرء وقوع الحوادث التي نحن في غِنى عنها. كل ما نحتاج إليه هو الاختيار بين أمرين، إما أن نمارس حياتنا كأمة مُتحضرة تُفرِّق بين الخير لأنفسنا وسلامة أعمارنا وبين الأذى الذي يطولنا من إهمالنا وعدم وضوح الرؤية لدينا ونحن نتعامل مع قوة هائلة تحوًّلت بفعلنا وتهورنا من وسيلة نقل مريح إلى أداة قتل مُفجع. فمن أجل أن نحافظ على أرواحنا ولا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة كما نهانا الله عن ذلك، يجب أن نبحث عن الطرق التي لعلها تُساعدنا على تقليص عدد الوفيات والإصابات وتُقلل من هدر المال الكثير، وهي مُتوافرة لنا ومُتيسرة لو أخذنا بأسبابها. من أهم العوامل التي تكون طرفاً في معظم حوادث الطرق السرعة الزائدة التي يُمارسها مع الأسف نسبة كبيرة من المواطنين، ظنا من كل فرد منا أنه أشطر من أن يقع ضحية لحادث وأن هناك في نظره منْ هم أولى منه بسوء الحظ. وهذه فلسفة خاطئة وتُؤدي إلى خلط الحسابات. فمعظم الحوادث تُصادفنا في غير الوقت المناسب ونحن في الغالب في غفلة، سواء كنتَ أنت المُتسبِّب أو أن الحادث كان خارج إرادتك، ولا فرق بين الاثنين ما دمت أنك أصبحت ضحية للحدث. ويأتي في الأهمية نفسها عدم ربط حزام الأمان من قِبل جميع ركاب المركبة، وهو أمر يدعو حقاًّ إلى الدهشة، على الرغم من توافره وسهولة ربطه، ونتعجب من النظرة السلبية إلى استخدام حزام الأمان التي يُقابلك بها نسبة كبيرة من المواطنين وعدم قبولهم لأهميته وهولا يُكلف شيئاً على الإطلاق. إنه الوعي المفقود الذي لا تجده إلا عند القلة من أبناء الشعب، وهو ما يؤدي إلى توريث عدم المبالاة بوسائل السلامة لأجيال المستقبل.
كنت مُنذ عدة أيام أتحدث مع صديق كريم حول حوادث السيارات وما تُسببه من إزهاق للأرواح وإعاقات بدنية تُغير مجرى حياة الإنسان، والرجل مُتنور ويحمل شهادات عُليا، ومهنته تجعله أقرب الناس لمعالجة ضحايا الحوادث المرورية. وذكرت له أهمية ربط حزام الأمان أثناء قيادة المركبة، ففوجئت عندما أخذ يتحدث عن مساوئ الحزام وخطورة الالتزام به في حالات معينة وهي لا تحصل إلا نادراً، مثل اندلاع حريق في المركبة قبل أن تتخلص من الحزام، وهو أمر قابل للحدوث ولكن بنسبة لا تصل إلى 10 في المائة من نسبة الأضرار التي ربما يتعرض لها الركاب أثناء الحوادث الأخرى. فقلت له إن فوائد ربط الحزام على وجه العموم تُمثل أكثر من 70 في المائة مقارنة بتلك النسبة الصغيرة التي قد يسبب فيها ربطه ضرراً على الراكب. وللإعلام دور مهم في بث روح الثقافة والتوعية لولا أن الإعلاميين أنفسهم تنقصهم تلك الثقافة العامة. فقد قرأت منذ يومين خبراً في إحدى الصحف المحلية يذكر فيه الكاتب أن شاباًّ نجا من الموت بأعجوبة عند ما انقلبت مركبته عدة مرات. ونحن نكاد نجزم بأن الرجل كان مُستخدماً حزام الأمان الذي بقدرة الله حماه من أن يخرج من المركبة وهي تتقلًّب يمنة ويسرة. وفي الحالات التي لا يكون السائق وبقية الركاب رابطين الحزام يتناثرون واحداً بعد الآخر والمركبة تتقلب فوقهم، وهنا تحدث الإصابات المميتة.
نحن الآن في حاجة ماسة إلى إيجاد برامج توعوية وتثقيفية فاعلة ومُركزة في جميع وسائل الإعلام وبصفة مُستمرة، يتبعها تنفيذ صارم لجميع قوانين ونظم السير. ولا بُدَّ من وضع حد لمهازل السرعة الجنونية التي يُمارسها شبابنا على الطرق الرئيسة وداخل شوارع المدن دون أي مبررات، مما يستدعي وقفهم عند حدهم بواسطة الجهة المسؤولة وفرض عقوبات صارمة عليهم، وهو من صالحهم قبل غيرهم. وهذا بطبيعة الحال يستوجب وجود عدد كبير من أفراد رجال المرور المؤهلين، رغم التكلفة العالية التي ستُضاف إلى مسؤوليات الدولة. ولكننا في الوقت نفسه نتذكر أن النهاية هي إنقاذ حياة عشرات الألوف من أبناء الشعب من الموت ومن الإصابات المُقعدة ـ بإذن الله، إلى جانب توفير مئات الملايين من الريالات سنوياًّ كنتيجة لتقليل وتحجيم عدد الحوادث. ومن جهة أخرى، فإن فرض العقوبات النقدية على مدى أيام السنة سيُدرُّ أموالاً طائلة تُغطي المبالغ المصروفة على قوة رجال المرور الإضافية ومُعداتها. ولعل هذه الخطوة أيضا تُسهم في توظيف عشرات الألوف من الشباب الذين يبحثون عن العمل في مدننا وقرانا وهو يناسب طبيعتهم إذا توافر مع التوظيف سنوات تعليم إضافية وتدريب مكثف على كيفية أداء العمل بكفاءة وإتقان من أجل أن يكسبوا احترام الآخرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي