أعيدوا طرح مفهوم الصحة العامة في المجتمع (3)
ما دور الفرد في كل هذه الدوائر المتداخلة وغير المتداخلة في المهام والمسؤوليات تجاه مجتمعه والمؤسسات التي تقدم خدماتها للمجتمع؟. ما يقلق فعلا هو أن ورش العمل وحلقات التدريب وحضور كثير من المحاضرات العامة في الشأن الصحي، في كثير من الأحيان، عبارة عن مانشتات إعلامية أو دعوات ينتهي مفعولها بالخروج من القاعات. هذا لأسباب عدة أهمها: (1) عدم تحديد الفئات المستهدفة بشكل صحيح، (2) عدم التركيز في ماهية المادة وأطرها لتكون مؤثرة عمليا في موضوع أو مهارة معينة، (3) عدم قياس مدى الفاعلية أو التأثير، لأنه لا توجد خطة للقيام بذلك، ولا متابعة لصيقة في فترة التطبيق للمتلقين أو المرشحين، لتحديد مدى الاستيعاب للمادة والمهارات المطلوب اكتسابها، (4) عدم التشجيع على تبني حلول علمية مبتكرة إذا ما أراد أي مشارك طرحها، ثم (5) بل بالكاد يكون هناك اهتمام بمن يعود ليترجم ما تعلمه واقعيا فتستفيد الخدمة ويستفيد المخدوم مما يقدم له في هذا المرفق أو ذاك. هنا نجد أن دور الفرد تاه وسط زحام شديد، وجعله يتكئ على وجوب تقدم المؤسسة بالحلول.
لذلك لابد أن يكون توجهنا بأن يتم تعزيز دور العامة لمساندة المؤسسات على القيام بدورها مستغلة في ذلك جميع الموارد المتاحة والاستفادة من المعلومات المتوافرة باستمرار، وترجمة ذلك بتجويد تقديم خدماتها. في المجال الصحي قد يكون أهم محور هو «التثقيف الصحي»؛ حيث إن الإخصائيين في هذا المجال، سيمكنون المسؤول (في وزارة الصحة أو الجهات الأخرى المقدمة للرعاية الصحية) من الاستغناء عن الطبيب في مواقع إدارية أو تعليمية عامة، ليكون موقعه في الصروح الأكاديمية والمستشفيات والمراكز الصحية بشكل أساسي. كما أنهم سيقدمون للمجتمع تعريفا وتفصيلا لجميع الظواهر والأحداث مثل: أن لا حدود لتواجد ونشاط الجرثومة (أي جرثومة) في أي مناخ أو تحت أي ظرف، لأن لها القدرة على التكيف والانتقال من موقع إلى آخر أو حالة إلى أخرى متعايشة مع البيئات الجديدة للحفاظ على بقاء النوع. كما أنهم يساعدون المجتمع (كأفراد وجماعات) على التحكم في الظروف التي تبقيهم أصحاء وسليمين محميين وبعيدين كل ضار سواء كان تنظيما يحتاج إلى تعديل أو عادة مكتسبة أو غير ذلك. من ناحية أخرى هم أقدر على تحويل مواقع العمل والدراسة والتسلية والاستجمام إلى مناطق ومصادر صحية بمساعدة القياديين على توفير التنظيم الكبير والمنهجية العلمية والمناخ المناسب لكل فعل ووظيفة أو نشاط.
بالنسبة للقطاعات الأخرى ومسؤوليتها أو أدوارها في هذه المهمة الضخمة، فسيكون التساؤل: كيف يكون ذلك في حالة الطرح من جديد إذا ما أريد للمجلس التواجد بقوة في خضم التوجهات المختلفة للقطاعات الأخرى ولبعد الفرد عن إدراك حجم المشكلة؟. المقترحات سيأتي ذكرها، ولكن هناك غايات أربع يتوقع أن تتحقق في نظم المؤسسات المدنية لنشر مفهوم الصحة العامة بشكل مرضٍ. هذه الغايات هي: (1) إيجاد بعد إنساني في كل تنظيم (كسياسات وإجراءات) وتخطيط وتنفيذ يؤدي إلى إبراز قيمة الفرد والاهتمام بكينونته. (2) بناء روابط وصلات تفاعلية بين القطاعات المختلفة وبين القطاعات وأفراد المجتمع لا تسمح لأي مؤثر أو خلل أن يؤدي إلى فصلها وتفكيكها بعضها عن بعض. (3) تحقيق المرونة في التخطيط والتنفيذ في كل قطاع تحسبا لتغير الظروف أو حدوث أي طارئ يستوجب التغيير خصوصا أن في كل مجال بدت الأحداث العالمية تثبت أن العولمة ماضية في تغيير مسارات بل مبادئ عدة في أوساط المجتمعات الدولية. (4) الاهتمام بتقديم الكفاية من خلال تطبيق معايير الأداء بهدف الوصول للجودة، فلا تحقيق الكمال، بل البحث عن ذلك، ولا العجز عن بلوغ مستوى الرضا المقبول لئلا يستمر التقصير والقصور.
في البحث في ثنايا الغايات يمكن القول بأن: الجهات الخدمية التي تعنى بتنفيذ مشاريع ميدانية (عامة أو خاصة)، عليها أن تتأكد من ألا تقلب مستويات الإدارة والإشراف والتنفيذ أو تخلط بينها. فمثلا الجهة المركزية هي تخطيطية وتنظيمية وتشريعية إلا أنها لا يمكن أن تكون نسخة من الجهاز التنفيذي. فعليها مراقبة وصول بيئة العمل لضمان سلامة الأفراد وتمتعهم بصحة طالما أنهم تحت إشرافها المباشر أو غير المباشر، ولكن ليس عليها تنفيذ آلية الوصول لأنها ستغرق الموظفين قبل العمل في تناحر مستمر، فنخسر العمل والقوى العاملة. من ناحية أخرى وجوب التأمين الصحي لضمان حمايتهم والاطمئنان على سلامة نمط حياتهم، وليس مخرجا من المسؤولية عنهم وعن صحتهم. أما متابعة الحالات، بعد وقوع أي إصابة، بالاطمئنان على عودة قوية للعمل، فهي قد لا توجد في كتاب أو لائحة، ولكنها تدل على شخصية المسؤول الإدارية والاجتماعية، التي تعد من أكبر عوامل نجاح المشاريع وسلامة البيئة الصحية في العمل. في جميع مستويات الجهات التعليمية أيضا، عناية بفكر الطالب وسلامة بدنه خلال فترة دراسته، وهذا مفهوم كبير ومتشعب. ولكن لو تم مثلا: الالتزام بمعايير أعداد الطلاب في الصف أو المحاضرة أو المعمل، وتوفير الوحدات الصحية العلاجية، وأخرى للإرشاد الطلابي غير الأكاديمي كما هو موجود للأكاديميات. ومراعاة لمعايير تصميم المواقع والمباني التعليمية، وتوافر مساحات خضراء لتخفيف الضغط النفسي، واعتناء بالخطط الدراسية والبرامج التعليمية والتأهيلية... إلخ. فإن هذا يعني أن الجهات التعليمية، ستركز في خططها الخمسية على تمكين الفرد وتأهيله وتعويده على أن يكون في مراحله العمرية كافة، مثقَّفا في نفسه، ومثقِّفا لأسرته وزملائه وجماعته ومجتمعه في كيفية الحفاظ على سلامتهم مبتعدين عن كل ما يشكل إعاقة أو خطر أو يتسبب في أذى لهم. وللموضوع تتمة.