إعلامنا اليوم.. ودوره في الإصلاح المستدام!
صناعة الإعلام صناعة خطيرة بكل ما تعنيه الكلمة من معان وليس معنى واحداً. وتاريخ الإعلام الحديث يوثق هذا الدور الخطير في تداخل المصالح السياسية والاقتصادية وحتى الأيدلوجية. وهي عجلة تدور على مدار الساعات والدقائق والثواني لا تتثاءب ولا تمل، وبالذات اليوم بعد بزوغ فجر الاتصالات المتطورة بكل أبعادها، والذي ولله الحمد والمنة، وهو المحمود على المكروه لا سواه، لا يد ولا رجل لنا في هذا التطور التكنولوجي. لكننا مستهلكون مميزون ونعتبر في ذهن المنتجين شريحة مستهدفة جيدة. فقد أبدعنا في استغلال تلك التقنية سواء الإنترنت أو الجوال أو الإعلام المرئي وفي ملئه بكل غث يمكن أن يتخيله مسؤول في إدارة النفايات العقلية!
رغم ذلك، فكون الله ''سخر'' لنا تلك التقنيات الهائلة والإمكانيات الكبيرة، فإنه أصبح علينا واجب الاستفادة منها في تحقيق الأهداف الوطنية والتي يجب ألا تتعارض مع أهداف الوسائل الإعلامية الشخصية والتي هي حق مشروع لكل صاحب وسيلة إعلامية أين كانت وسيلته. فلا يعقل أن يكون هناك موقع على الإنترنت مثلا دون هدف، رغم أن هناك ملايين منها فعلا دون أهداف واضحة، ولكن بالتأكيد من صممها وقرر إطلاقها كان لديه هدف ما حتى وإن كان هدفا قد يراه البعض ''سخيفا''. أو غارقا في شخصية صاحب هذا الموقع أو الوسيلة الإعلامية.
في المملكة لسنا بعيدين عن المجتمع الدولي الذي يشهد حراكا على الأصعدة كافة، وهي صيرورة حياتية فلا حياة دون حراك. وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية لدينا أحداثا ومتغيرات كبيرة في مضامينها وهناك مسيرة إصلاح منطلقة منذ سنوات، حتى وإن كانت بالنسبة للبعض غير مشاهدة لكنها تجري فلا سبيل للتوقف. فالأمم التي لا تتطور يعني أنها تدريجياً تموت، حتى وإن كنا لا نشعر بهذا الموت البطيء. وقد شهد الإعلام تطورا ملحوظاً خلال تلك السنوات وتوسعت دائرة الحراك الإعلامي بشكل واضح، وإن كنا لا نزال نطمح للمزيد من التوسع، ولكن نبحث عن التوسع العقلاني. بيد أن ما يعاب على الإعلام المحلي أو الخارجي بأثواب محلية - وهي وجهة نظر شخصية - أن مستويات المهنية في التغطية والتقارير والمقالات وحتى النقاشات بحاجة إلى تقييم وإعادة نظر. ولنأخذ ما كتب عن أحداث محددة في الفترة القصيرة الماضية. وبقراءة متفحصة لما كتب وبالذات في الجانب المقالي كان هناك اندفاع قوي، أعتقد أنه لو كان في مكان آخر لكان هناك محاسبة حقيقية لما ذكر دون تحقيق وتمحيص في أبسط قواعد الكتابة الصحفية. حتى وإن استخدمت كلمة أخي الوزير أو عبارة مع احترامي للمسؤول. لا يمكن الحديث بشكل قاطع دون وجود تثبت ليس بمنطق التثبت القضائي، ولكن بمنظور الحد الأدنى مما يحمي الحقوق للجميع. وأقولها للكثيرين من الأساتذة الكتاب إن هناك عددا من النقاط، آمل أن تكون محل نظر وإن كانت محل اجتهاد يمكن أن تكون صحيحة ويمكن ألا تكون كذلك من قبل كاتب هذا المقال.
أولاً: من كان دون خطيئة فليرمني بحجر! أعتقد أن هناك قصورا وتقصيرا في جميع شؤون حياتنا العامة والشخصية، ولكن علينا أن نتعظ ونعمل على تحسين طريقة حياتنا وتعاملنا مع الأمور العامة والخاصة. ونظام المؤسسات والمساءلة وإعطاء المسؤولية الكاملة قبل المساءلة هي الطريق الوحيد، فنحن في مجتمع صغير ولا أحد يخفي على أحد اليوم ما يجري على أرض الواقع حتى وإن كُتب العكس! حتى ما يجري داخل الوسائل الإعلامية مكشوف وما يخص من يكتبون معروف أيضا!
ثانياً: الأرقام عندما تذكر في وسائل الإعلام فإن شرائح المجتمع المختلفة سوف تأخذها على محمل الجد أكثر من أي شيء آخر. ولكن مع كل أسف الأرقام لا تزال تُكتب وتنشر دون تدقيق وتمحيص فما بالك بالتهم! وأعتقد أن الجهات الإعلامية مسؤولة عن السماح بنشر أرقام لا تمثل الواقع. والتهم دون أن يكون هناك وقائع أيضا مشكلة، فكما أن لا أحد يريد أن تكون المناصب للتشريف، أيضا لا نريد أن تكون مقاعدها جمرة تحرق كل من يحاول أن يجلس عليها. المناصب للتكليف المنضبط بأسلوب محاسبة واضح.
ثالثاً: عجلة الإعلام كما قلنا تدور بشكل سريع ولا وقت لالتقاط الأنفاس فيه، كما أنه في مقابل ذلك قضايا الإصلاح تحتاج إلى تركيز ومتابعة مستمرة، وبالتالي على الإعلام أن يوازن بين الركض خلف عجلة الإعلام وبين أن يكون هناك أهداف لتحقيق الإصلاح المستدام الذي يتطلب أن يكون سيف الإعلام مسلطا عليها بشكل دائم لمتابعة القضايا المهمة والتركيز عليها وتشريحها. حيث نجد أن كثيرا من القضايا تتم إثارتها ثم تتلاشى فجأة دون متابعة أو معرفة كيف انتهت ولماذا! نريد إعلاما لديه قضية مؤمن بها ويتابع أحداثها دون كلل أو ملل، ولا يكون بوصلة تتأثر بدرجة الحرارة القريبة منها لتنحرف يميناً أو يسارا حسب المزاج العام! أعتقد أنه بالقدر الذي يؤمن الجميع فيه بأهمية دور الإعلام في الإصلاح المستدام، نجد في الوقت نفسه أن على وسائل الإعلام بمختلف ألوانها ومشاربها أن تصلح نفسها حتى تكون عند مستوى المسؤولية في تفعيل دورها الإصلاحي على كل المستويات، إصلاح النظام العام والمسؤولين عنه ورفع وعي المجتمع وليس تخديره كما يحدث اليوم. فكما أن للناس حقوقا، أيضا عليهم واجبات يجب القيام بها حتى وإن هضمت حقوقهم، أقلها الالتزام بالنظام نفسه مثل إشارات المرور أو الوقوف في الطابور، عندها فقط نستطيع أن نطالب بالإصلاح لأننا التزمنا بما علينا من واجبات. والله من وراء القصد.