رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


برج خليفة .. الرؤية.. وحتى اللمسات الأخيرة وما بعدها

افتتح في دبي قبل أسبوعين أطول برج في العالم، حيث بلغ طوله 825 متراً, ليشكل معلماً بارزاً من المعالم العمرانية ذات الارتفاع الشاهق في دبي, والتي توجهت منذ عقدين من الزمن لمثل هذه الأبراج عالية الارتفاع. وقد جذبت إمارة دبي خلال الحقبة الماضية بأسواقها, ومرافقها الترفيهية الكثير من السياح من مختلف أقطار العالم غربية, وشرقية مما أحدث طفرة اقتصادية, وتجارية نعمت بها الإمارة خلال الفترة الماضية.
جاء افتتاح برج خليفة بعد الأزمة المالية التي تعرضت لها الإمارة, والمتمثلة فيما يفوق الـ 80 مليار دولار ديونا مستحقة على بعض الشركات في دبي, التي لم تتمكن من سدادها في موعدها المحدد مما جعل إمارة أبو ظبي تدعم دبي بعشرة مليارات دولار لتخفيف وطأة الصدمة التي أحدثتها هذه الأزمة المالية القاسية. هل تم الاستعجال في افتتاح البرج كما تم الاستعجال في افتتاح مترو دبي بخط واحد وعشر محطات؟ نعم وأعتقد أن الهدف من هذا الاستعجال في افتتاح البرج الذي لا تزال أعمال استكمال بعض أجزائه قائمة يتمثل في كسب ثقة المستثمرين بهدف استمرار تنفيذ المشاريع الاستثمارية في الإمارة.
لا شك أن البرج بارتفاعه الشاهق يمثل طموحاً عالياً يقف وراء هذا المنجز ومن يقدر له الإطلال من الدور الـ 140 والمسموح للزوار, والسائحين بالوصول إليه من خلال المصاعد المخصصة لهذه الخدمة يدرك الفرق الشاسع بين المباني الأخرى التي تحتضنها المدينة وهذا البرج. في طريق الخروج من البرج وضعت ثماني كلمات بجانب بعض الصور للمسؤولين, والعاملين, والمشرفين على المشروع تختزل مراحل التفكير, والعمل الذي مر به هذا المشروع, الكلمات تبدأ بالرؤية, والإلهام كمرحلة أولى, ثم الإلهام والتصميم, ثم التصميم والتخطيط, ثم التخطيط والبناء, ثم البناء واللمسات الأخيرة, استوقفتني هذه العبارات, وأنا أهم بالخروج من المبنى بعد فرجة استمرت نحو الساعة, وتأملت فيها لأجد أنها تجسد مراحل ضرورية لأي عمل خاصة إذا كان العمل جباراً وبهذا الحجم إذ لابد من رؤية, وحلم يراود المسؤول لتحقيق إنجاز ما, وقد تكون الرؤية طموحا غير محدد لكنه كبير ولذا فالإلهام يسعف صاحب الرؤية, والطموح في فكرة المشروع, أو ما يراد إنجازه, لكن الرؤية والإلهام لا يكفيان إذ لا بد من تصميم, وإرادة, ودافع قوي يقود صاحبه نحو هذا المشروع, ويمكنه من تجاوز الصعوبات كافة, والعقبات التي تعترضه سواء كانت مادية, أو فنية, أو إدارية, أو ثقافية, وحضارية, ثم إن التصميم يترتب عليه تخطيط يحدد من خلاله مراحل تنفيذ المشروع, وخطته الزمنية, وتفاصيله الفنية التي يضعها المتخصصون, لكن التخطيط يبقى حبراً على ورق ما لم توضع اللبنة الأولى, ويشرع في التنفيذ بعد توفير جميع المتطلبات لإنجاز العمل. وباكتمال البناء تأتي اللمسات الأخيرة التي تمثل الجانب المرئي من المشروع رغم أن وراء اللمسات الأخيرة يكمن الكثير من التفاصيل, والقصص الطويلة, والجهد, والمال, والعرق, والمشكلات والعقبات. اللمسات الأخيرة هي ما يشاهده ويتعامل معه الزائر, أو المشاهد لأي منجز لكنه لم ير, ولم يتفاعل مع جميع مراحل وأعمال المشروع الذي أمامه مهما كانت طبيعة هذا المشروع.
إن العبارات السابقة تمثل إطاراً فكرياً, وإدارياً, ونفسياً, ومعرفياً, وثقافياً تفاعلت فيه عناصر كثيرة, وكان نتاجها المنجز الذي تحقق سواء بالتصميم القائم على مفهوم البناء الأنبوبي, أو المسجد الذي يعد أعلى مسجد في العالم رغم أنني لم أره حين صعدت البرج, أو المردود المتوقع من المشروع. تساءلت وأنا أتجول في برج خليفة ما الهدف من هذا المشروع؟ وهل الهدف تحقيق مكاسب مادية من خلال المكاتب, والسكن, وحركة السياحة التي قد يحققها البرج, أم أن مكاسب أخرى غير مادية يمكن أن تتحقق؟ لا شك أن المكاسب المادية ربما هي الأساس وراء هذا المشروع العملاق, أو غيره, لكن وبعد أن حدثت أزمة المال العالمية, وكذا أزمة المال في دبي يحق أن نتساءل هل المكاسب المادية مضمونة من هكذا مشاريع, وهل الاقتصاد القائم على مشاريع عمرانية ضخمة في بلد محدود السكان سيكون قوياً على مدى السنوات المقبلة, أم أن الأمر يتطلب مراجعة, وإعادة نظر في التوجهات الاقتصادية, والمشاريع الاقتصادية من هذا النوع؟ لقد كشفت الأزمة المالية شيئاً من التخوفات بشأن مصير هذه المباني البالغة التكاليف, والتي غادرها ساكنوها بمجرد حدوث الأزمة, كما يفترض أن يعاد النظر في هذا التوجه بكامله.
أي مشروع يفترض أن تصاحبه مكاسب متعددة حتى ولو كان المشروع في الأساس ذا طابع اقتصادي, وتجاري, ومن أهم المكاسب الخبرة في الإشراف, والإدارة, وتأهيل الكوادر الوطنية القادرة على الإشراف, والإدارة للمشروع منذ البداية وحتى النهاية, إضافة إلى المكاسب الثقافية لكني لم ألمس أثراً, أو مؤشرات على هذا الجانب, فالموسيقى والأغاني الغربية هي ما يسمعه السائح في كل سوق, ومطعم, ومتجر في إمارة دبي, حتى إن الموسيقى في مصعد برج خليفة موسيقى غربية, لقد تساءلت وأنا أتجول في تلك المدينة هل شحت عناصرنا الثقافية من أن تزودنا بما يمكن أن نملأ به الفراغ بدلاً من الموسيقى الغربية التي تملأ المكان, وتزاحم الآذان الذي لا تكاد تسمعه من شدتها؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي