متى نرى مركزاً وطنياً للدراسات الإحصائية والمعلومات الصحية؟
في عددها الصادر في الأول من كانون الأول (ديسمبر) من العام الفائت عنونت جريدة ''الديلي تليجراف'' عنواناً عريضا في صفحتها الأولى تقول فيه: إن الرعاية الصحية لمرضى السرطان عبر الرعاية الصحية الوطنية NHS في بريطانيا أقل جودة من أوروبا. الجميل في التقرير أنه لم يكتف بمقارنة رعاية السرطان في بريطانيا بالدول الأوروبية الأخرى فحسب بل قارن معدل الحياة لمرضى السرطان بين المستشفيات البريطانية فيما بينها. فذكر التقرير أن تسعة من عشرة مستشفيات (في الحقيقية تمثل كمديريات للشؤون الصحية) لمعالجة السرطان أقل جودة في معالجة السرطان مع الدول الأخرى. ولا يعني هذا التقرير إطلاقا أن الرعاية الصحية في بريطانيا سيئة لأن الفرق ليس شاسعا (71 في المائة مقارنة بـ 79 في المائة).
لدي هدفان من ذكر هذا التقرير. الأول أننا بحاجة إلى مركز وطني للدراسات الإحصائية والمعلومات الصحية. فلا شك أن الوزارة تعمل بشكل مشكور في إصدار تقرير سنوي يضم عديداً من الإحصائيات المهمة ليس فقط لمستشفيات وزارة الصحة ولكن للمستشفيات الحكومية الأخرى ومستشفيات القطاع الخاص. لكن يظل التقرير السنوي أقل من إمكانية ومكانة المملكة. فمثلا من المخجل أن يكون لدى دول أقل من إمكانات المملكة كالأردن ومصر مراكز إحصائية بينما لا يوجد في المملكة مركز وطني يوثق الحقائق العلمية عن الرعاية الصحية في المملكة.
كما أن من القصص التي يحكيها لنا بعض الأطباء عندما كانوا طلابا في كليات الطب أن البعض منهم يضطرون أحيانا إلى ''تلفيق'' بعض الأرقام عند طلب عمل بعض الدراسات المتعلقة بصحة المجتمع. فمثلا عند دراسة عدد المدخنين بين طلبة الثانوية فإن البعض منهم يضطر إلى تعبئة النموذج بطريقة تفقد الدراسة الأسس العلمية المتعارف عليها علمياً. المشكلة الأكبر تزيد عندما يستخدم أستاذ المادة الإحصاءات المقدمة من الطلبة لعمل أوراق علمية.
كما أن عديداً من الجمعيات العلمية تبرر وجودها عبر إصدار أرقام قد يكون مبالغاً فيها من أجل إثبات أهمية تلك الجمعية وأهمية دعمها. ففي ظل غياب مركز علمي معتمد لقبول تلك الإحصاءات وإضفاء شرعية علمية عليها فإن عديداً من الأرقام والإحصاءات المقدمة تصبح مصدراً للخلاف بسبب غياب المرجعية العلمية لتلك الدراسات. كما أن عديداً من الدراسات والإحصاءات تقدم مع عدم التزامها بالأسس العلمية لقبول تلك الإحصاءات فضلا عن عدم التزامها بأخلاقيات البحث العلمي الصادرة من منظمة الصحة العالمية.
لذا فإننا بحاجة إلى مركز وطني إحصائي يتبنى التصديق على الدراسات العلمية في المجال الصحي من الناحية العلمية ومن الناحية الأخلاقية بحيث ترفض أي دراسة لا تلتزم بالمعايير العلمية والأخلاقية المتعارف عليها في أدبيات البحث العلمي.
الهدف الآخر: أننا نفتقد إلى وجود مركز لعمل الدراسات العلمية المحايدة من أجل تحديد موقعنا الصحي حسب الخريطة العالمية. فالحالة الصحية لكثير من الأمراض لا يمكن تحديدها عبر المرضى المراجعين للمستشفيات لأن هناك عديداً ممن لا يراجع المستشفيات لأسباب ليس المجال لتفصيلها. فالحاجة أصبحت ملحة إلى تحديد الحالة الصحية للبلد ليس فقط بمن تمكن من تلقي الرعاية الصحية عبر المستشفيات الحكومية أو الخاصة ولكن لمن لم يتمكن من تلقي الرعاية الصحة لأسباب مختلفة.
قد تكون الصعوبات التي تواجه وزير الصحة متعددة ولعل أولها كيفية تسهيل حصول المواطن على رعاية صحية. لكن أتمنى ألا يشغل العمل اليومي للوزارة معالي الوزير لتأسيس مركز وطني سواء للإحصاء أو للأمراض المعدية.
أتمنى من معالي الوزير أن يحقق ما عجز عن تحقيقه وزراء الصحة السابقون وأن يضع إضافة علمية تستحق أن تكون لها أولوية من تفكير معالي الوزير لرفع مستوى الرعاية الصحية. فإنشاء مركز وطني للمعلومات الإحصائية الصحية ليس بالأمر السهل لكن معالي الوزير رجل طموح ويقبل التحدي ويسعى بشكل مشكور لتبني كل القضايا التي ترفع مستوى الخدمة الصحية.
فأحد الآمال التي نتمنى أن تتحقق أن نكون قادرين على رفع مستوى الرعاية الصحية لدينا لنفتخر يوما بأن الرعاية الصحية في المملكة تجاوزت مجرد خدمة تقدم إلى خدمة ذات جودة عالية، ونكون قادرين على إيجاد قاعدة من المعلومات الصحية التي تحكي عن واقع صحي مشرق - بإذن الله.