أعيدوا طرح مفهوم الصحة العامة في المجتمع (2)
لامست إحصائيات الأمراض المزمنة وأمراض العيون سقوفا عالية، تدل على أن الاهتمام بدأ يكشف وضعا يراد له أسلوب جديد في تناولها. فتعدد العيادات ومراكز العلاج، مع طول قوائم الانتظار، وما يترتب على ذلك من اجتهادات أو أخطاء يتطلب تقنينا في مجالات عدة تنظيمية وتنسيقية، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى الاستمرار في البرامج القائمة مع تطوير عملية التحليل. أما مياه الشرب ومياه الصرف الصحي ومشكلات نقائها أو اختلاطها أو نقلها فإن أخذ جميع الاحتياطات له أهمية في الوقاية من تبعاتها، وبالذات فيما يتعلق بغسيل الكلى الذي إن تم حصر المراكز لوجدنا اطرادا غير مسبوق في أعدادها خلال السنوات العشر السابقة. إدارة النفايات والفضلات سواء العامة أو الصناعية، جعلت العامة ينقمون على التطور والنهضة السريعة، في حين أن نتائج العشوائية وعدم الالتزام بالقوانين المحلية والدولية وكثير من الإهمال من قبل أفراد فقط، جعلانا لا نرى إيجابيات التطوير في تبني أساليب جديدة في إدارة النفايات.
السلامة المهنية واستخدام المواد شديدة الخطورة، أو الوجود في مواقع مختلفة في درجة خطورتها، تؤثر في القوى العاملة نفسيا، وفي أسرهم نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتؤثر بالتالي على إقبالهم على هذه الوظائف، مما يستدعي توجيه بعض الجهود لهذه الزاوية، غير المكشوفة إحصائيا وفي حاجة إلى دراسة متعمقة. أما ما لوحظ في القطاعات الخدمية والتعليمية، ولم يحدد حجمه بعد، فهو تزايد طلبات الإجازات المرضية من قبل الموظفين والطلاب، وهو أمر يحتاج إلى دراسة فعلية لتحديد حجم الزيادة خلال السنوات العشر الماضية؟ وهل هي فعلية أم وهمية؟ ثم لأي من الجنسين تميل الكفة؟ وهل نحتاج إلى مؤشر يدق جرس الإنذار إذا ما وصل لمستوى معين؟ لا شك أن العنف الأسري أثر اجتماعيا في حياتنا فأصبحت سلوكيات بعض الأفراد، سمتها التسرع في الأحكام والتصرف بانتقام الذي لم نجن منه سوى الآلام. كل هذا وغيره لو أفردت لها مجلدات لحصرها وتبويبها لما استطعنا شمولها بسهولة.
ولكن ما الفائدة المرجوة من إعادة طرح مثل هذه المواضيع الحساسة؟ لقد تعاضد واتفق العلماء في دراساتهم ومنابرهم العلمية خلال السنوات الثلاث الماضية على فوائد كثيرة يمكن تلخيصها في التالي: (1) مشاركة المجتمع في التأثير في رفع مستوى الإصحاح العام. (2) تقنين وضبط وضمان سلامة المجتمع وصحته في جميع اهتماماته حتى المالية والشخصية. (3) تثبيت الظروف المحيطة بالأطفال وكبار السن خلال فترة حياتهم من استمرار حركة ونشاط وصفاء ذهني واستعداد نفسي لمعظم المتغيرات. (4) جعل كل ما ينتج من مأكل أو مشرب أو مستخدم ومستفاد منه آمنا صحيا. (5) تقديم خدمات فاعلة صحيا في جميع المرافق الصحية المختلفة في وظائفها. (6) تحسين أداء المشاريع والاستفادة من تنفيذها عمليا وتنمويا. (6) خفض نسب تبني العادات الدخيلة السيئة مثل التدخين وتناول المنشطات (مثلما يحدث أثناء الاختبارات) أو كل ما يضر الجسم. ويمكن الاستطراد في نقاط لها مدلولات كثيرة، إلا أني أرى أن كثيرا منها يقع تحت النقاط التي لخصت وذكرت أعلاه.
لو دققنا في الفائدة الخامسة وتابعنا ما إذا كانت البرامج الصحية قد أدت إلى تقديم خدمات فاعلة Effective Services. سنجد أن هناك فجوة بين أهمية إعداد مثل هذه البرامج وصدى تأثيرها، حيث وجدنا مثلا: أن بعض الجهات تعلن دون تنسيق مع أخرى حجم الإصابة بمرض معين على مستوى المملكة. أرقام لم تستنبط من واقع السجلات الطبية بشكل سليم وبالتالي ابتعدنا عن التقدير الصحيح ووضع الخطط بشكل واقعي ومؤثر. هذا يعني أن الربط بين الجهات مفقود لحد ما وأننا ننفذ ببرامجنا من وازع النخوة والمساهمة والمشاركة ولا نعلم أي المناطق تعاني نقص كوادر أو أجهزة، أو تكدس حالات، أو ندرك الحجم الحقيقي للمشكلة. في الواقع لا يزال همنا أن ننتقل إلى المرحلة المقبلة (في معظم المشاريع) ولا نعرف إن كنا قد تخطينا الحالية بنجاح، ودليلنا العلمي على ذلك «كذا وكذا»!
إن المشاركة الاجتماعية في تحسين الوضع الصحي العام لن تتأتى بتضخيم موضوع على آخر. ولكن بشمولية الطرح والاهتمام بحل أسس المشكلات. كما أن مشاركة الإدارات العليا لهموم الإدارات المحلية لا بد أن تنزل لأبسط الآليات بنشر المعايير وأدوات القياس فيكون عقل المنفذ استراتيجيا، باحثا عن التغطية الشاملة. ويكون مسعى المسؤول تناول الممكن والمقدور عليه، ثم الأصعب فالأصعب، مقيما كل خطوة اتخذت وحجم فائدة نتائجها. من وجهة نظر شخصية للتنفيذ محوران. الأول فيما يتعلق بالأجهزة المقدمة للخدمات الصحية والثاني بباقي الأجهزة في القطاعات المختلفة. لأن المرتكز الأساس هو الصحة العامة فقد تم اقتراح تقسيم التوجه للحل بهذه الكيفية. أولا: لا بد أن يكون مجلس الخدمات الصحية هو المحرك الأساس لكل هذه الآليات للتالي: (1) لديه المؤشرات ومعايير القياس، والإحصائيات الكاملة، (2) لديه نتائج الأبحاث المحلية والدولية والتجارب الوطنية لكثير من الدول، (3) لديه الروابط والعلاقات الكاملة مع الأجهزة والهيئات كافة. (4) لديه قواعد البيانات بالمؤهلين القادرين على وضع التفاصيل وتنفيذها. (5) لديه الصلاحية لتفعيل دور الإدارات المحلية (مديريات الشؤون الصحية) بشكل فاعل وتفصيلي ومنهجي حتى لا نستمر في تشتيت الجهود. (6) لديه – يمكن أن يكون لديه - نتائج تبادل جميع القطاعات مع المجلس فيما يتعلق بمرئياتها في دورها ونوعية مشاركتها في هذا البرنامج الكبير لإمكانية إعادة الصياغة وتحديد المهام ورسم الخطط وإعداد المشرفين والقياديين والمتابعين والمنفذين له. (7) تواصله الدائم مع الجمعيات السعودية المتخصصة الطبية والمعلوماتية والصحية للقيام بدوره بالتعاون مع المجالس والهيئات الأخرى بشكل مقنن. ولا يزال للحديث بقية.