الوقود الأحيائي .. النظرية والواقع

مع ارتفاع أسعار البترول إلى أرقام قياسية لم تبلغها من قبل، ومع وجود قلة من أنواع الوقود البديل للنقل، تقدم البرازيل والبلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعدة بلدان أخرى دعما نشطاً لإنتاج أنواع الوقود الأحيائي السائل من المنتجات الزراعية.
ويعتمد إنتاج الوقود الأحيائي على تحويل الكتلة الحيوية سواء كانت ممثلة في صورة حبوب ومحاصيل زراعية مثل الذرة وقصب السكر أو في صورة زيوت وشحوم حيوانية مثل زيت فول الصويا وزيت النخيل، إلى إيثانول كحولي أو ديزل عضوي واستخدامهما في الإنارة وتسيير المركبات وإدارة المولدات. وقياساً على إمكانيات ومزايا المصادر المتاحة حالياً للطاقة المتجددة، سواء كان مصدرها الشمس أو الرياح أو الأمواج أو غيرها، يبقى الوقود الأحيائي، على الرغم مما يحيط به من جدل، هو الأكثر قدرة على دعم أمن الطاقة العالمي لرخص تكلفته وإمكانية إنتاجه، بسبب توافر مواده الأولية وعدم تقيدها بأي عوامل جغرافية أو طبيعية، وهي ميزة كبرى تفتقدها مصادر الطاقة الأخرى المتجددة.
ويرى المناصرون للوقود الأحيائي أن محروقات الوقود الأحيائي تتميز مقارنة بالوقود الأحفوري بإطلاق محتوى أقل من ثاني أكسيد الكربون، المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري، ومن الرصاص، أحد العناصر السامة والمسببة للسرطان والأمراض المستعصية الأخرى، كما أن أغلبية زيوت الوقود الأحيائي، تتحلل تدريجيا وبطريقة تلقائية، مما يعني عدم تأثيرها سلباً في جودة البيئة.
وقد بلغ الإنتاج العالمي من الإيثانول كوقود في عام 2006 نحو 40 مليار لتر، أنتج نحو 90 في المائة من هذه الكمية في البرازيل والولايات المتحدة إضافة إلى ذلك، أنتج نحو 6.5 مليار لتر من زيت الديزل الأحيائي في عام 2006، أنتجت نسبة 75 في المائة منه في بلدان الاتحاد الأوروبي. وتعتبر البرازيل المنتج الأكثر قدرة على المنافسة ولديها أطول تاريخ في إنتاج الإيثانول. إذ تستخدم نحو نصف إنتاجها من قصب السكر لإنتاج الإيثانول وتفرض استهلاكه. وشرعت عدة بلدان نامية أخرى في تنفيذ برامج لإنتاج الوقود الأحيائي تعتمد على قصب السكر أو المحاصيل الأخرى الغنية بالزيوت مثل نخيل الزيت والجاتروفا والزان الهندي (البونجاميا).
وقد أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أويسد) تقريراً يدعو لوقف الدعم للوقود الأحيائي، مشيرة إلى أن الاتجاه العالمي المتسارع نحو الديزل الأحيائي والإيثانول أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء وإلى إلحاق دمار بالبيئة أكثر من الفائدة المكتسبة. وقد أدى إنتاج الوقود الأحيائي إلى رفع أسعار المواد الخام المستخدمة في إنتاجه. وأوضح مثال على ذلك هو الذرة، التي ارتفع سعرها بأكثر من 60 في المائة فيما بين عامي 2005 و2007، بسبب البرنامج الأمريكي لإنتاج الإيثانول إلى جانب انخفاض مخزون الذرة في البلدان المصدرة الرئيسية. وقد برز ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية بسبب الطلب عليها لإنتاج الوقود الأحيائي إلى صدارة النقاش الدائر بشأن الصراع المحتمل بين الغذاء والوقود. فالحبوب اللازمة لملء خزان سيارة رياضية رباعية الدفع بالإيثانول (240 كيلوجراما من الذرة لإنتاج 100 لتر من الإيثانول) يمكن أن تكفي لتغذية شخص واحد لمدة سنة، ولذلك فإن المنافسة بين الوقود والغذاء منافسة حقيقية. وارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية الأساسية يمكن أن يتسبب في خسائر كبيرة تتعلق برفاهة الفقراء، حيث يعتبر معظمهم من المشترين الصافين للمحاصيل الغذائية الأساسية.
وعن آثار الوقود الأحيائي، ذكر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أويسد) أن الاندفاع الراهن صوب الوقود الأحيائي أوجد ضغوطا على التنمية المستدامة، ومن شأنه أن يربك الأسواق دون أن يعود بمنافع كبيرة على البيئة.
وأشار التقرير إلى أن الآثار البيئية للإيثانول والديزل الأحيائي تتجاوز في مجملها الآثار الناجمة عن البنزين والديزل عندما نضع في الاعتبار الخسائر في مجال التنوع الحيوي والسموم الناتجة عن استخدام الأسمدة والمبيدات. وكشفت دراسة علمية حديثة أن الجيل الجديد من الوقود الأحيائي والمصنوع من ''الخشب والعشب'' الذي كان من المفترض أن يساعد على تقليل انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، سينبعث منها في المتوسط كميات من ثاني أكسيد الكربون تفوق ما ينتج عن حرق البنزين على مدى العقود القليلة القادمة. وأشارت الدراسة إلى أن مثل هذه الأنواع المتطورة من الوقود الأحيائي يؤدي إلى نسب من الانبعاثات الكربونية أعلى من تلك التي يسببها البنزين على مدى الفترة من عام 2000 إلى عام 2030. وأرجع الباحثون ارتفاع نسب الانبعاثات الكربونية إلى إحلال مزروعات الوقود الأحيائي بدلاً من المحاصيل الزراعية مما سيؤدي إلى إزالة الغابات لتوفير المزيد من الأراضي الزراعية التي تعد مصدراً قوياً لانبعاثات الكربون. وجدير بالذكر أن محاصيل الوقود الأحيائي تتطلب أيضا أسمدة من النيتروجين وهو مصدر من اثنين من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وهما: ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النتروز الأكثر قوة. ويعتبر الوقود الأحيائي من الموضوعات التي يدور حولها جدل قوي، حيث تحذر العديد من المنظمات الإنسانية ومنظمات الإغاثة والمحللين من انتشار زراعة المحاصيل المستخدمة في إنتاج الوقود الأحيائي. وقد وصل الأمر بأحد المستشارين لدى الأمم المتحدة إلى حد وصف إنتاج الوقود الأح بأنه ''جريمة ضد الإنسانية''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي