رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لنتعلم الدرس جيداً

شهد العقد الماضي عدداً من الأزمات والأحداث التي واجهت الاقتصاد العالمي والمحلي على حد سواء. ومن الجميل أن نستعرض هذه الأحداث، أو بعضاً منها، لنستخلص منها بعض الدروس التي يمكن أن تفيد في المستقبل. هذه الأحداث بالطبع أحداث اقتصادية لكن لها الكثير من الآثار الاجتماعية التي يبقى تأثيرها مستمراً لفترات أطول من الزمن، لكن لن أتطرق لتلك الآثار الاجتماعية وسأتركها للمختصين في هذا المجال وسأركز فقط على الأحداث الاقتصادية.
ما يجمع كل تلك الأحداث أنها ناتجة عن سوء تقييم للمخاطر المحتملة لها، وبالتالي فإن اتخاذ القرارات بشأنها لم يكن سليماً. وما يغذي تلك القرارات هو التصرف الجماعي للمجتمع، مما يجعل الشخص يشك فيما إذا كان هو الصحيح والمجتمع خاطئ. مثال ذلك، مرحلة مساهمات بدأها عدد من الأسماء المشهورة في بداية العقد الماضي وكانت تعطي أرباحاً خيالية تصل في بعض الحالات إلى 70 و90 في المائة من رأس المال المستثمر. كان العائد بالطبع مغرياً والإقبال عليها كبيراً مما جعل الكثيرين لا يفكرون قليلاً قبل الزج بمدخراتهم مع أولئك المتلاعبين. فلم يسألوا الأسئلة البسيطة التي يمكن أن يسألها أي شخص عادي عندما يهم باستثمار أمواله بنفسه، فما هو نوع الاستثمار، وما درجة مخاطره، وهل هناك تناسب بين العائد والمخاطر.
تلك الأسئلة غابت عن الكثيرين ممن وقعوا ضحية تلك الذئاب التي وجدت فرصة متاحة لها للعمل بكل حرية، وترويج أوهام ذهبت بمدخرات الكثير من المواطنين. لذلك، يجب أن نتعلم الدرس جيداً، فكر مرات عديدة قبل الدخول في مثل تلك الاستثمارات، وقم بحسبة بسيطة للمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها مدخراتك عند الإقدام على مثل تلك (الفرص). وهذا الأمر لم يحدث في المملكة فقط، فقد كشفت الأزمة المالية العالمية عن ذئاب مار ست هذا العمل لسنوات عديدة، مثل برنارد مادوف، وقبله في بداية القرن الماضي الأمريكي من أصل إيطالي شارلز بونزي، الذي تشرف بإطلاق اسمه على تلك الممارسات Ponzi Scheme. فمادوف مارس هذه اللعبة سنوات عديدة قبل أن يتم القبض عليه، ولم يفكر أحد ممن استثمروا معه عن حجم الأرباح الكبيرة التي يقدمها له، وإمكانية تحقيقها بالمقارنة مع معدل العائد السائد في السوق.
هناك حدث آخر مر على اقتصادنا وأخذ الكثير من مدخرات المواطنين، وكان نتيجة طبيعية للسير خلف القطيع دون التفكير في المخاطر، وهو فقاعة سوق الأسهم السعودية التي انفجرت في عام 2006م، وخلفت وراءها الكثير من الضحايا. تلك الأرباح الكبيرة التي كان الناس يحققونها لم تأت من فراغ، ولكنها كانت نتيجة تحمل مخاطر عالية وهو ما لا يدركه المستثمر العادي ولا يحسب حسابه عندما يتخذ قراره بالاستثمار. ودليل ذلك أن الكثير من الناس زجوا بمدخراتهم ومدخرات أسرهم، وباعوا أصول يملكونها، والبعض اقترض مبالغ كبيرة من البنوك، للدخول إلى السوق أملاً في تحقيق أرباح عالية، دون التفكير في المخاطر التي يمكن أن تنتج عن تلك القرارات.
وهذه الحالة تتكرر بشكل دائم في أسواق مالية مختلفة وأحياناً في السوق نفسه مرات متعددة ولا يتعلم الناس منها، فقد حدث مثل ذلك خلال فترة فقاعة التقنية في الولايات المتحدة التي ذهبت بمدخرات الكثيرين، وفي الكويت أيام سوق المناخ، وأخيراً في القطاع العقاري في دبي، ومع ذلك تتكرر تلك الأحداث مرات أخرى، وهو ما يدل على أن لدى الإنسان ذاكرة قصيرة، ما يجعله لا يتعلم من الأحداث السابقة، ويكرر الأخطاء نفسها مرات متعددة. وهذا كله نتاج قرارات تتخذ في خضم العاصفة دون التفكير المتأني في النتائج المحتملة لها، أو على الأقل دون اتخاذ الإجراءات اللازمة للتقليل من النتائج السلبية لها، كاستثمار جزء بسيط من رأس المال ودون المخاطرة بكامل المدخرات. الحالة تكررت أيضاً في الولايات المتحدة ولم يتعلم الناس أو مقررو السياسة الاقتصادية الدرس، فقد غذت اليابان فقاعة العقار فيها، وعانت بعد ذلك عقداً ضائعاً لم تستطع خلاله تحقيق نمو حقيقي على الرغم من تخفيضها لسعر الفائدة بشكل كبير قارب الصفر. ومثل ذلك حدث في الولايات المتحدة، فقد غذت هي الأخرى فقاعة الرهن العقاري التي تضخمت بشكل كبير منذ بداية العقد الماضي وأدت إلى الأزمة المالية الحالية التي يشهدها العالم. وبيت القصيد هنا هو محدودية قدرة الأفراد على الرؤية إلى أبعد مما تعد به الفرص الاستثمارية من أرباح، وهو ما يتضح بشكل أكبر عند الدخول في استثمار تعاقدي حقيقي مثل شراء المنازل.
فقد قدمت البنوك ومؤسسات التمويل العقاري في الولايات المتحدة عروضاً مغرية وبشروط مكتوبة، لم يلق الأفراد لها بالاً، ولم يكونوا يرون إلا أملاً يتحقق بامتلاك منزل، دون التفكير في قدرتهم الحقيقية على تحقيق ذلك. وهذا بالضبط ما يحدث عندما تبرز فرصة استثمارية مواتية لكل فرد، وتحمل له الكثير من الآمال، فهو يركز على هذا الجانب المشرق، وينسى التفكير في مخاطره، ومن ثم يقع في ما لا يحمد عقباه. هذا لا يعني ألا نقدم على أي فرص استثمارية، ولكن الهدف أن نتعلم الدرس جيداً، فكل فرصة تحمل معها الكثير من المخاطر، والمهم الموازنة بين تلك المخاطر وبين العوائد المحتملة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي