رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بنك المعرفة خارج منظومة البنوك..!

قبل أيام قمنا بزيارة لديوان المظالم في الرياض بمعية الزميل الدكتور عبد الله الغفيلي, وعدد من طلاب قسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء, وقد غمرنا قضاة الديوان وموظفوه بحسن استقبالهم, وجميل حفاوتهم, وبليغ ضيافتهم, وعلى رأسهم الشيخ علي الحماد نائب رئيس الديوان, والشيخ الدكتور أحمد الصقية, والشيخ ناصر الشثري, والشيخ إبراهيم البطي, ولم تكن هذه الحفاوة مستغربة من حماة الحق, وحراس العدالة.
ولن أتحدث عن الديوان من الجانب القضائي أو الحقوقي, فالديوان له تاريخه الحافل في القضاء الإداري والتجاري والجزائي, وهذا لا يمنع أبداً أن أشيد بما سجله يراع أخي الشيخ محمد الجذلاني عبر مقالات قيمة هنا في جريدة «الاقتصادية», سلط فيها الضوء على بعض النقاط المهمة بالجانب القضائي في ديوان المظالم, وفي ظني أن مسؤولي الديوان سيولونها عناية لائقة, تليق بأهميتها, ولا سيما أنها كتبت من قاض سابق في الديوان.
كما لن أتحدث عن الخطط الاستراتيجية التي يعدها المسؤولون للنهوض بالديوان, ولا عن مشاعر الطموح التي تغلي في مراجلهم لتطوير الديوان والرقي به, وذلك عبر أفكار لا تزال مكتوبة في الورق, أو مرسومة في الذهن, وذلك أن كل وزارة وكل دائرة حكومية لا تخلو من خطط, وأفكار قد لا تتعدى أذهان المسؤولين, أو لا تتعدى خطواتها الأولية, فتبقى ميتة في علم الغيب, أو حية ناقصة النمو, ولهذا فالخطب كله فيما يرى لا فيما يسمع.
ومن هنا, فسأتحدث عما رأيت في الديوان, مما له صلة بالإنجاز والتطوير, لا غير, ومما رأيته واغتبطت به:
1- الثورة الإلكترونية التي تموج داخل الديوان, حيث إن من يزور ديوان المظالم, ويطلع على النهج الإداري, وأسلوب تسيير المعاملات, يشعر أن هناك تطوراً يطل من وراء الديوان في المستقبل القريب, ليس في المكاتب الإدارية, بل حتى في مكاتب القضاء, وقد حضرنا جلسة قضائية لفضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز المتيهي, وتوظيفه للتقنية الحديثة في مكتبه, وذلك عبر كتابة الضبوط رقميا, ورؤية ضبط القضية في الشاشة الموضوعة أمام مكتب القاضي, فالخصوم يشاهدون ما يمليه القاضي للكاتب حرفا بحرف, وكلمة بكلمة, مما يمكن الخصم من متابعة ما يمليه القاضي, وقدرته على مناقشته لحظة كتابة الضبط, وهذه نقلة تقنية ونوعية, أرجو أن تعمم على كل المكاتب القضائية في الديوان, وفي كل المحاكم الشرعية.
2- بنك المعرفة, وهو مركز داخل الديوان, يعنى باستقراء الأنظمة والقرارات والتعاميم الصادرة من الديوان أو غيره من المؤسسات الحكومية والوزارات, وجمعها وأرشفتها مكتبياً وحاسوبيا, تمهيداً لنشرها في بوابة الديوان الإلكترونية, من أجل تمكين القضاة والخصوم والمهتمين من الرجوع إليها, والاستفادة منها, وهذه خطوة جبارة, لا أعلم أن جهة حكومية حظيت بهذه الفكرة المعلوماتية, كما حظي بها الديوان, وحسبما ذكره لنا أصحاب الفضيلة فإن بعض الجهات الحكومية تلكأت في تقديم ما لديها من قرارات وتعاميم, مما كان سبباً في تأخر ولادة هذا المشروع, والمدهش أن هذا البنك ولد خارج رحم مؤسسة النقد, ونشأ خارج منظومة البنوك, فقد ولد في رحم ديوان المظالم, ونشأ وترعرع في كنفه, ونأمل أن يشب هذا المشروع قريبا, حتى يحظى الديوان بمرتبة السبق بين الدوائر الحكومية في الإعلان عن هذا البنك المعرفي, وتقديم خدماته هدية للمراجعين والمهتمين بالمجان, ودون مقابل.
3- طباعة الديوان للمبادئ القضائية الخاصة بالقضاء الإداري في خمسة مجلدات, وبترتيب مدهش, وفي قرص ممغنط, وتهيئته لطباعة المبادئ التجارية, وهذا من شأنه أن ينشر الثقافة القضائية على أوسع نطاق.
4- اهتمام الديوان بتأهيل منسوبيه, بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة, كالمعهد العالي للقضاء, والجهات التدريبية المتخصصة, وهذا مما يحسب للديوان, ويعجل بتطوير أداء منسوبيه.
5- حرص المسؤولين على تسريع القضاة للقضايا وإنجازها في أسرع وقت, وذلك من خلال البت في الاختصاص قبل دراسة الواقعة قضائيا, وهذا مما يحسب للديوان, فالبت في الاختصاص الولائي والنوعي والمكاني قبل النظر في القضية يوفر كثيراً من الوقت, وكم من قضايا حسم فيها موضوع الاختصاص بعد أن أخذت وقتاً طويلا من النظر, مما أضر بصرح العدالة القضائية, واليوم أضحى الديوان يعطي هذا الموضوع حقه من السبق والاهتمام, عله أن يحد من التأخر في إصدار الأحكام الذي يعانيه كثير من المتقاضين, والذي غالبا ما يكون غياب الخصوم سبباً رئيسا فيه, وإن لم يكن هو السبب الوحيد, كما لا يخفى.
إن الديوان هو إحدى المحاكم الشرعية التي تمثل واجهة حضارية للمملكة بدعمه لصرح العدالة, وحمله لواء دفع المظالم ورفعها عمن وقع عليه الظلم, ولو كان الخصم جهة حكومية, وما رأيناه من اهتمام المسؤولين في الديوان يمثل بارقة أمل, يبشر بنقلة حضارية في عالم المحاكم, فهل سيتقدم الديوان حاملا لواء التطوير والإنجاز ليكون إماماً, ليؤم غيره من المحاكم الشرعية؟
هذا ما ستكشف عنه الأيام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي