أعيدوا طرح مفهوم الصحة العامة في المجتمع (1)
لا شك أن عبئي التعليم والصحة، يشكلان وزنا ثقيلا لحاملي أمانتيهما. هذان الشأنان يعول عليهما الكثير في تقدم وازدهار الأمة. السعودية، ولله الحمد، دعمت وبشكل ملموس وغير مسبوق هذين القطاعين عبر عقود طويلة، فكان إن توافرت إمكانات نحسد عليها، ولكن كعادة أي مسيرة هناك وقفة نحتاج فيها إلى المراجعة محاولين إدخال بعض التعديلات حسب نوعية الظروف المحيطة بنا. نحن في حاجة الآن، بعد صدور الاستراتيجية الوطنية، ثم صدور مشروع الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة، إلى وقفة ودعم كامل من المؤسسات المدنية ثم من المجتمع لتحقيق أفضل حياة معيشية للجميع. ولكن لن يتأتى ذلك ونحن نشكل دوائر مغلقة، غير قابلة لأن تنفتح على بعضها بعضا فتكون عونا لبعضها بعضا على مقاومة أي سقوط خدمي، أو هجوم مرضي أو جمود مالي. لا اعتقد أن حادثة هنا أو حدثا هناك سيثنينا عن البذل والعطاء في كل مسار، رغبة في تحسين وتعديل كل ما يؤرقنا صحيا. ففي النهاية «أريد أن أكون وأهلي أصحاء في العقل والبدن». لذلك إذا لم يكن هناك تعاون على تبني مفهوم عام، يجمعنا على النهوض والسير معا، ثم التحليق عاليا بخدمات كل هذه المرافق الصحية، بمختلف وظائفها، والاستفادة من مكنوناتها لصالحنا، فإننا سنظل نندب ونتباكى ونطالب ونشتكي وهيهات ننتهي إلى حل مقنع.
في البداية ليتنا نسأل الله لحاملي أمانة القطاع الصحي العون قبل أن نبارك لهم المناصب والمكاتب والمنجزات. فهذه ما هي إلا أعباء تزيد من حجم الأمانة التي أبت الجبال أن تحملها. ثم بعد ذلك لننظر في مفهوم الصحة العامة وكيفية نشره أو إعادة طرحه بأسلوب أو منهجية متجددة بين أفراد المجتمع والمؤسسات المدنية والعسكرية بصفة عامة. أقول ذلك لأن الدور تكاملي، وكل أساس من أسس الاستراتيجية الصحية كانت هناك نسبة من مسؤولية لهذا القطاع أو ذاك، تختلف باختلاف الدور والأهمية في كل مرحلة. في هذا السياق قد يكون من الأفضل تكوين رؤية واضحة فيما سنقوم به، ثم التركيز على تنشئة الجيل الصاعد بتبني هذا المفهوم من خلال برامج منهجية علمية موجهة، مع الاهتمام بإخصائيي التوعية الصحية والصحة العامة الحاليين، فيكونوا خير رسل لهذه الرسالة.
إذا ما نظرنا إلى تعريف الصحة العامة فهو يركز أولا على مكافحة والوقاية من الأمراض ثم من بعد ذلك كيف نحافظ على عمر مديد متمتعين بصحة كاملة ومعيشة منظمة في بيئة خالية من الملوثات بأنواعها كافة. هذا الجانب متعلق بتطلعات أفراد المجتمع وآمالهم في العيش الكريم النظيف الخالي من المنغصات. ولكن ماذا عن مهمات المؤسسات وهي ما تحتاج إلى تركيز أكبر في هذه المرحلة. إن عملية مكافحة الأمراض المعدية ابتداء من التثقيف إلى الوقاية ثم العلاج والانتهاء بوضع الاستعدادات الجيدة لظروف مماثلة متوقعة، لهي آلية ننشدها في مؤسساتنا ولكن تحتاج إلى قيادة جيدة. أما استخدام معايير تقديم الخدمة ومراعاة كل المواصفات والمقاييس التي تؤكد تقديم رعاية وخدمة صحية ترتقي بصحة الإنسان من خلال الممارسين الصحيين والتوعويين المتمرسين والمسؤولين فسيكون مهمة تشترك فيها الأجهزة المقدمة للخدمات الصحية بالمشاركة مع أفراد المجتمع لأننا لن نشعر بتأثير ما نقوم به إذا لم تكن هناك تغذية مرتدة. كما وأن قياس وتقدير احتياجاتنا الصحية في الخدمة مهمة مستديمة لا تقف عند ظرف مكان أو زمان، لأن المهم عدالة توزيع الخدمة والحصول عليها بشكل لائق وكريم وهذا لن يتأتى بمجرد النظر في الخريطة أو اجتماعات المكاتب النظرية، فالرحلات المكوكية والتجارب الميدانية هي سبيل القياس والتقييم في مثل هذه الشؤون. وأخيرا الحرص على تأهيل وإعداد قوى عاملة قادرة على استيعاب كل جديد يمكن أن تضيفه للمعادلة كلما تطلب الأمر ذلك، فيكون المفهوم متواصلا ويكون المجتمع أول من يلمس نتائج هذا العمل الكبير. لو أننا أردنا أن نبسط الأمر لننظر في بعض شؤوننا اليومية فقد نبدأ مثلا بحوادث السيارات وإصاباتها أو وفياتها. فببروز عوامل جديدة غير الترف والقدرة المالية كأسباب لحدوثها سنجد أنها أمر مقلق حقا. وبالطبع البيئة الملوثة جوا وأرضا، المتمثلة في عوادم السيارات واستمرار عدم معرفة الحجم والتأثير وما اتخذ حيال تقليص نسبة التلوث تجعلنا نشعر بقلق دائم حيال مدى تأثير ذلك فينا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لقد أصبح النقل عموما إتاحة للسيارات والمركبات لنقل الطلاب والعاملين، ولكن هل ضمنوا هؤلاء سلامة الحركة والوصول إلى الهدف. إن الجانب النفسي في أحد القضايا الخاصة بتذمر الممرضات من الدوام المسائي في مجتمعنا لمشكلة سلامة التحرك ليلا سبقت التفكير في توافر النقل، فيكاد هذا الأمر يشتت الأسر ويعمق الخلافات فيها، فكيف السبيل إلى تناولها؟
المسنون لا شك أنهم في حاجة إلى إدارات مختلفة لتعنى بهم (واقعيا لهم حق علينا)، فهل نفذت الخطط الكفيلة بالتعامل معهم في المنازل واستفيد من التقنية في متابعتهم والتواصل معهم والتأكد من أحوالهم المرضية؟ هل تم التعامل مع عدد الأَسِرة التي يشغلونها وحجم العمل الذي تتطلبه هذه الفئة على مستوى المناطق والأجهزة الصحية كافة وليس فقط وزارة الصحة؟. أما زيادة السمنة وانتشار مراكز علاجها وتأثيراتها والتوعية بمخاطرها، فقد أثرت في العمل والإنتاجية والاجتماعيات والاقتصاديات والصحة العامة، وأصبحت الحاجة ملحة للعلاج الفوري مستفيدين من كل مورد، ومستغلين كل أسلوب متوافر. فهل ما زلنا متأكدين أن الطرح لا يحتاج إلى تجديد؟ وللحديث بقية.