رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تصنيف الجودة الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية

في مؤتمر المصرفية الإسلامية السادس عشر في البحرين الذي حمل عنوان "استراتيجيات جديدة لواقع اقتصادي جديد", ركزت إحدى الجلسات السابقة للافتتاح الرسمي على عرض وصف عام لما تقوم به الوكالة الإسلامية العالمية للتصنيف وما أصدرته من عناوين تقوم بتصنيف المؤسسات المالية الإسلامية من اتجاهات متعددة تهدف في نهاية الأمر إلى إصدار رأي مستقل حول الجودة الشرعية لدى المؤسسات المالية أو الأوراق المالية والمنتجات المالية كالصكوك على سبيل المثال, وذلك من خلال عناصر مستقلة وموضوعية, وفي ذلك تعزيز لمصداقية المؤسسات المالية الإسلامية والمنتجات المالية, ليس من ناحية الملاءة المالية وقدرتها على الإلتزام بسداد التزامتها طويلة وقصيرة الأجل فحسب, كما يفهم من المؤشرات للوكالات الأخرى الدولية للتصنيف. ومن اللافت للنظر أن المؤسسة تتفرد بمعيار معين للتصنيف يرتبط بالجودة الشرعية، وعند سؤال الرئيس التنفيذي للوكالة السيد جمال عباس زيدي عن طبيعة هذا التصنيف أفاد بأنه يرتبط ارتباطا وثيقا بجزئيات مهمة تتعلق بعمل الهيئات الشرعية، وتفاصيل اجتماعاتها وعدد الأعضاء وغير ذلك من الأمور المرتبطة بعمل هذه الهيئات, وأفاد أن المؤسسة عملت على تصنيف البنك الإسلامي الأردني في هذه الناحية وقد حصل على تصنيف AA، ولكن التحدي الحقيقي لهذه الوكالة يتوقف على دعم المؤسسات المالية الإسلامية لها، ومقدار أخذ الأمر على محمل الجدية وكذلك شفافية الوكالة وقدرتها على الاطلاع على المعلومات بدقة ووضوح لإصدار وزن عادل للتفاصيل التي يتم اعتمادها وصولا إلى درجة التصنيف. ولا يخفى أن وكالات التصنيف العالمية واجهت لوما شديدا في الأزمة المالية العالمية على تقصيرها في عرض المعلومات وتم التشكيك في البنود الرئيسية والأوزان المعطاة لها.

إن الهيئات الشرعية والتركيز على جودة أعمالها تعتبر أمرا مهما للتأسيس لمرحلة قادمة في العمل المالي الإسلامي الذي يعتمد على هذه الجهة الرقابية لتحقيق متطلبات الشريعة، ويشكل التهاون في اعتبار هذه الهيئات محركا في العمل المالي الإسلامي, وتركها دون تنظيم يشكل خطرا على سمعة العمل المالي الإسلامي, إضافة إلى فقدان ثقة الجمهور التي يعول عليها عاليا في عالمنا الإسلامي ومن ثم في العالم كله.

إن الوكالة الإسلامية العالمية للتصنيف تجرأت في الأخذ على عاتقها هذا النوع من التصنيف الذي يهدف إلى تصنيف الجودة الشرعية, وبالرغم من أن الوكالة تعلن عن منهجية حيادية ولا تتعامل مع تصنيف للفتوى في المعنى الذي قد يتوارد إلى الذهن, إلا أنها تأخذ في عين الاعتبار الآراء التي ترد من الخبراء المطلعين على الفتاوى الذين لديهم القدرة على الحكم من حيث مناسبتها للواقع من عدمها. ولا يخفى أن الوكالات العالمية للتصنيف من مثل ستاندرد آند بورز وكذلك موديز لم تجرؤ لغاية اللحظة على الأخذ بعين الاعتبار تصنيفا يتعلق بالشريعة في المؤسسات المالية الإسلامية بالرغم من نداء المتخصصين من أهل الصناعة على أهمية ذلك بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية, حيث يقر الجميع بأن القانون ـ وعلى الأقل في الدول ذات الأنظمة المالية المختلطة ـ يلزم البنوك الإسلامية بتشكيل لجنة شرعية مستقلة للرقابة على أعمال البنك من الناحية الشرعية، ولكن ـ وكما نعلم ـ فإن هذه الرقابة منقوصة من ناحية التطبيق, إذ قلما نجد بنكا إسلاميا لديه ضابط ارتباط لديه خبرة مختلطة في المالية وفقه المعاملات ويستطيع أن ينصح الهيئات الشرعية التي غالبا ما تجتمع ليس بأسلوب منتظم وإنما بحسب دعوى الحاجة لاجتماعها. أما عن منهجية الوكالة في هذا النوع من التصنيف فإنها تعتمد اعتمادا واضحا على النظر بشكل عام إلى الهيئات الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ومدى تطبيقها الآراء الشرعية المستقاة من الأعضاء الشرعيين وخلفية هؤلاء الأعضاء.

وقد طرحت سؤالا بهذا الخصوص على السيد جمال زيدي من حيث إن أسلوب التصنيف الذي يأخذ في الاعتبار خلفية أعضاء الهيئات الشرعية وسمعتهم وسنوات خبرتهم في مجال الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية وأن ذلك يساهم بشكل أو بآخر في التركيز على أعضاء هيئات شرعية دون آخرين محتملين وواعدين في السوق لا ذنب لهم سوى أن المؤسسات المالية الإسلامية تسعى لجذب الأعضاء اللامعين في الصناعة، وهذا من شأنه أن يرسخ هذه الأسماء في السوق دون أن يكون لهم دور في تهيئة آخرين، وأجاب على ذلك بأنهم في الوكالة يأخذون بعين الاعتبار أيضا أي تواصل له مع هذه الصناعة من ناحية القدرة والكفاءة الشرعية بغض النظر عن التزامه مع المؤسسات الشرعية، ولكن المأخذ هنا أن وكالات التصنيف غالبا ما تأخذ بعين الاعتبار أوزانا دقيقة ومحددة للوحدات القياسية التي من شأنها في نهاية المطاف أن تشكل دورا مهما ورئيسيا في التصنيف النهائي, فهل من الممكن أن يكون هناك وزنان مختلفي الوصف بالنسبة لمؤهلات الأعضاء الشرعيين؟

إن الحاجة لمثل هذا النوع من التصنيفات تصب بلا شك في صالح الصناعة, ومع ذلك نحن بحاجة إلى إشراك أكبر عدد ممكن من الخبراء واللاعبين الرئيسيين في هذه الصناعة للوصول إلى وحدات قياسية تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بهذه الصناعة ولا تشكل عاملا غير مباشر في ترسيخ نقاط الضعف المتعلقة بقلة الكفاءات والموارد البشرية المتخصصة في علم المعاملات الشرعية والتمويل بالعموم.

إن تصنيف جودة الشريعة بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية ينطبق أيضا على الأدوات المالية الإسلامية وعلى النوافذ الإسلامية, وبذلك لا بد أن يتعامل هذا التصنيف مع الاختلافات الشرعية هنا وهناك بحسب المناطق, إلا أنه يحاول التعامل مع ذلك من خلال عوامل داخلية وخارجية للمؤسسة ومن خلال هيئة من كبار العلماء من مختلف البقاع الجغرافية التي تمتد من الخليج العربي إلى شرق آسيا وباكستان وإيران وصولا إلى تركيا.

إن الحاجة إلى مثل هذا التصنيف تستدعي درجة من الوعي بأهمية تصنيف المؤسسات من قبل مؤسسة على درجة مهنية من النزاهة والمصداقية, وتستدعي أيضا وعيا من جمهور المتعاملين والإداريين في هذه المؤسسات بأهمية التعامل الجدي مع مثل هذا النوع من التصنيفات الذي يشكل دائرة في حلقة رقابة الجودة .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي