الشباب ينتصر على النضج: الأسواق الناشئة تخرج من عقد كئيب
بعد سنة عاصفة أخرى، انتهى العقد بإثبات أن الشباب انتصر على النضج، حيث أظهر أن الأسواق الناشئة وفئات الموجودات في البلدان النامية، مثل السلع، تفوقت في أدائها على أسواق الأسهم والسندات الراسخة منذ فترة طويلة.
أهم حدثين شهدتهما السوق في العقد الماضي هما انفجار فقاعة التكنولوجيا والدوت كوم في عام 2000، وأزمة الانقباض الائتماني في عام 2007، حيث نتج عن كل منهما كساد اقتصادي وفترات طويلة من أسعار الفائدة العالمية المتدنية للغاية. وهذا ساعد السندات الحكومية على أن تتفوق في أدائها على الأسهم بصورة مريحة.
لكن أسواق الائتمان، وهي الأمل الجديد العظيم من حيث تحقيق عوائد عالية، ازدهرت ثم تعثرت وهوت. إذا اعتبرنا أن المصرفيين الاستثماريين هم الشياطين الجدد لهذا العصر، فإن كثيرين حكموا على المشتقات الائتمانية بأنها أسلحة الدمار السوقي الشامل في أيدي أولئك الشياطين.
حين أخذت الفظائع بالظهور في الولايات المتحدة، بفعل الانهيار الكارثي المفاجئ في القروض السكنية لضعاف الملاءة، ثم راحت تنتشر في جميع أرجاء النظام المالي العالمي، استدعى الأمر تدخل الحكومات لحقن مبالغ هائلة من الأموال العامة للحؤول دون انهيار عدد من أكبر البنوك. وصلت الأزمة ذروتها مع انهيار بنك ليمان براذرز في أيلول (سبتمبر) 2008، ما ضمن أن ذلك العام كان واحداً من أسوأ الأعوام في تاريخ البورصات.
في عام 2009 ارتفع مؤشر فاينانشيال تايمز العالمي بنسبة 32.3 في المائة، لكنه هبط بنسبة 7.3 في المائة على مدى العقد الماضي، حيث إن المكاسب من الأسواق الناشئة أخفقت في التعويض عن الضرر الذي ترتب على فترتين من التراجع الكبير شهدتهما أسواق الأسهم في البلدان المتقدمة.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2007 وصل مؤشر داو جونز للشركات الصناعية إلى أعلى نقطة إقفال، حيث سجل 14.164.53 نقطة، وذلك قبيل بداية التراجع الثاني في أسواق الأسهم. وقد شهد المؤشر هبوطاً حاداً في عام 2008، حيث هبط نتيجة لذلك بنسبة 9.3 في المائة على مدى عشر سنوات، على الرغم من الاندفاع القوي منذ آذار (مارس).
مؤشر ستاندارد آند بورز 500، وهو أوسع نطاقاً من مؤشر داو جونز، كان حظه أسوأ، حيث هبط بنسبة 24.1 في المائة على مدى عشر سنوات، وهو أسوأ أداء له منذ الثلاثينيات.
على الجانب الآخر من الأطلسي، سجل مؤشر فاينانشيال تايمز أعلى ذروة له في آخر يوم تداول في عام 1999، حيث سجل 6.930 نقطة. وبحلول آذار (مارس) 2009 تراجع من مستوى الذروة بمقدار النصف، وعلى الرغم من التقدم الذي حققه بنسبة 54 في المائة خلال الأشهر التسعة السابقة، تراجع المؤشر بنسبة 22 في المائة على مدى فترة السنوات العشر.
في طوكيو سجل مؤشر نيكاي 225 أعلى مستوى عند الذروة قبل 20 عاما، وأضاف إلى خسائره في التسعينيات بأن تراجع بنسبة 44 في المائة على مدى العقد الماضي.
تكمن قصص النجاح في بلدان الأسواق الناشئة. على مدى العقد الماضي ارتفع مؤشر ماسيكس في موسكو بنسبة 802 في المائة، بعد أن أدت الطفرة في السلع إلى إنعاش صناعتي النفط والمعادن الروسية. مؤشر بوفيسبا في البرازيل، الذي كان مدفوعاً كذلك بطفرة السلع، ارتفع بنسبة 301 في المائة. وفي الهند قفز مؤشر سينسيكس بنسبة 249 في المائة، وذلك بفضل مواهب تكنولوجيا المعلومات الهندية ومهارات تنفيذ الأعمال للشركات الدولية.
كذلك تمتعت الصين بنمو اقتصادي سريع، رغم أنها تفتقر إلى الموارد المعدنية التي تتمتع بها روسيا والبرازيل. على مدى العقد الماضي ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 140 في المائة.
ظل النمو في معدل الاستهلاك الأمريكي مستقراً نسبياً، لكن الصين، بفعل برنامجها الهائل في التصنيع، ساعدت على دفع عجلة أسواق السلع لتحقق سلسلة من الأرقام القياسية خلال العقد الأول من هذا القرن.
مؤشر نايمكس القياسي لعقود النفط أنهى عام 1999 عند سعر 25.60 دولار للبرميل. وفي تموز (يوليو) 2008 سجل أعلى سعر قياسي في التاريخ عند 147.27 دولار للبرميل مع الارتفاع الحاد في الطلب العالمي. لكنه تراجع بعد ذلك أثناء الركود الاقتصادي الذي أعقب أزمة الانقباض الائتماني، حين كان سعر الإقفال لهذا العقد 79.36 دولار للبرميل.
الارتفاع العجيب في حظوظ الذهب انعكس على دوره الدائم كملاذ آمن. استمر الذهب في الارتفاع خلال الأشهر التسعة الماضية بخطوات موحدة مع حركة الموجودات الخطر، حيث اشترت البنوك المركزية الذهب في سبيل تنويع احتياطياتها في وجه الدولار الضعيف. على مدى السنوات العشر الماضية قفز السعر الفوري للذهب بنسبة 281 في المائة ليصل إلى 1.096.35 دولار للأوقية.
من جانب آخر، ارتفع النحاس، الذي يعد مقياساً للمعادن الصناعية، بنسبة 290 في المائة ليصل إلى 7.375 دولار للطن.
العوائد على السندات الحكومية هبطت على مدى العقد الماضي، حيث سجلت أدنى مستوى لها في الوقت الذي ضرب فيه الركود الاقتصادي الولايات المتحدة وبريطانيا ومنطقة اليورو، في أعقاب الأزمة المالية. العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات هبط من 6.60 في المائة في مطلع العقد، ليصل إلى 3.84 في المائة عند نهايته.
حتى في الوقت الذي أخذ فيه الركود الاقتصادي يتحول إلى انتعاش في النصف الثاني من عام 2009، يشعر معظم المحللين بالحذر حول آفاق عام 2010. يعود بعض السبب في ذلك إلى المخاوف حول أثر الإجراءات المحتملة للحكومات والبنوك المركزية، الرامية إلى سحب برامج التحفيز النقدي والتحفيز من المالية العامة، التي لجأت إليها الحكومات لإبعاد شبح الركود الاقتصادي وتثبيت استقرار النظام البنكي العالمي. كذلك هناك مخاوف من أن برامج التحفيز ستؤدي في نهاية المطاف إلى التضخم ونشوء فقاعات موجودات جديدة.
قال لاري كانتور من باركليز كابيتال: «يشير التاريخ إلى أن هذا يمكن أن يؤدي إلى حدوث تصحيح في السوق».
وأضاف إن من المرجح أن الارتفاع في الموجودات الخطرة، الذي شهدته الأسواق منذ آذار (مارس)، سيتحول إلى تراجع. وقال: «نحن نعتقد أن أكبر الآثار ستكون في ارتفاع أسعار الفوائد في أسواق المال، وارتفاع الدولار، وتراجع سعر الذهب. لكن أسواق الأسهم وأسواق الائتمان لن تكون بمعزل عن ذلك».