أساسيات أسواق النفط لا تدعم ارتفاع أسعاره

أساسيات أسواق النفط لا تدعم ارتفاع أسعاره

لاقتصاد العالمي: إن العالم فقد خلال فترة الركود الاقتصادي الحالي ما يعادل سنتين من النمو الاقتصادي والتبادل التجاري الدولي، ففي نهاية عام 2009 مجموع الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP،هو تقريبا مساو لما كان عليه في الربع الثالث من عام 2007، كما أن مستوى التبادل التجاري العالمي الإجمالي انخفض إلى دون مستويات عام 2006، حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي IMF. إن قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP بالدولار الأمريكي، كانت قد تضاعفت تقريبا بين عام 2002 والربع الثاني من 2008، من نحو 30 تريليون دولار أمريكي إلى أكثر من 60 تريليون دولار أمريكي, ثم انخفضت إلى نحو 55 تريليون دولار أمريكي في الربع الأول من العام الحالي، وهو مستوى لم يشهده منذ الربع الثالث من عام 2007. كما أن مستوى التبادل التجاري الدولي (التجارة العالمية) هو الآخر قد تراجع في الوقت نفسه. حيث إن في الفترة من 2002 إلى الربع الثاني من عام 2008 زادت قيمة التبادل التجاري أكثر من مرتين ونصف، من ستة تريليونات دولار أمريكي إلى أكثر من 16 تريليون دولار أمريكي، قبل أن تتراجع إلى أقل من 12 تريليون دولار أمريكي في بداية هذا العام.
خلال عام 2009 انكمش الاقتصاد العالمي للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، على الرغم من ذلك تتوافر حاليا مؤشرات وأرقام مشجعة على بدء تحسن الاقتصاد العالمي، حيث إن الأزمة الاقتصادية العالمية قد شارفت على الانتهاء والاقتصاد العالمي يبدو في طريقه إلى الانتعاش مرة أخرى من جديد، تدفعه قوة أداء الاقتصادات الآسيوية واستقرار أوضاع الاقتصادات الأخرى أو تعافيها بصورة بسيطة. فقد أدى التدخل الحكومي غير المسبوق في الاقتصادات المتقدمة إلى استقرار النشاط، ودعم استعادة معدلات نمو محددة في عدة اقتصادات. أما الاقتصادات الناشئة والنامية فقد قطعت بصورة عامة أشواطا أطول على طريق التعافي، يقودها النشاط الذي تشهده آسيا بالذات.
لكن المخاوف قد تحولت الآن من توقيت بدء الانتعاش إلى كيف ستكون قوة الانتعاش وما التوقعات حول ديمومته، إن عام 2010 سيكون نقطة تحول مهمة وحاسمة في هذا المجال، من المتوقع أن تلعب الاقتصادات الناشئة والنامية دورا كبيرا وحيويا في ذلك في حين أن الاقتصاديات الصناعية في دول منظمة التعاون والتنمية ما زالت متخلفة. النمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP من المتوقع الآن أن يتحول من سالب 1.2 في المائة في عام 2009 إلى موجب 3 في المائة في عام 2010، حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي IMF. لكن هذا النمو المتوقع يقل بكثير عن المعدلات المسجلة قبل الأزمة الاقتصادية.

نمو بطيء في الاقتصادات المتقدمة
في الاقتصاديات المتقدمة من المتوقع حدوث نمو بطيء في معظم 2010، حيث من المتوقع أن يصل النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى نحو 1.25 في المائة عقب انكماش مقداره 3.5 في المائة في عام 2009 . حيث إن النمو يعود ألان إلى الولايات المتحدة ومنطقة الاتحاد الأوروبي، مع انتعاش الإنتاج الصناعي والتجارة العالمية، بعد فترة من الركود العميق. سياسات التحفيز المالي كانت مسؤولة جزئيا على تحسن الأوضاع في النصف الثاني من 2009، على الرغم من أن زيادة المخزون على نطاق واسع قد أسهم مساهمة كبيرة في تحسين أرقام الناتج المحلي الإجمالي. أما في الاقتصادات الناشئة والنامية يتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي نحو 5 في المائة تقريبا في عام 2010، مقابل نحو 1.8 في المائة في 2009، يتحقق هذا الانتعاش الاقتصادي بقيادة الصين والهند وعدد من الاقتصاديات الآسيوية الأخرى. حيث إن النمو الاقتصادي يتسارع في الصين، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي فيها من نحو8.1 في المائة في 2009 إلى أكثر من 9 في المائة في عام 2010. لكن لا تزال مخاطر النتائج دون المتوقعة مصدرا للقلق على الغرم من انحسارها التدريجي، ويأتي توقف عجلة التعافي على رأس هذه المخاطر قصيرة الأجل. أما حالة عدم اليقين الأكبر لعام 2010 تكمن في إمكانية نجاح القطاع الخاص في تخطي المرحلة الانتقالية التي تقوم فيها الحكومات برفع الدعم الاقتصادي.
الطلب على النفط: أما بخصوص الطلب عل النفط، إن الانكماش في الطلب العالمي على البنزين والنفتا الذي حدث خلال عام 2009 مشابه إلى حد ما، الانخفاض في هذه المنتجات في عام 1980 بعد ارتفاع أسعار النفط في عام 1979، ولكن مع ملاحظة أن التراجع الحالي في الطلب على النفط هو بالدرجة الأساسية نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، وليس للتطور التقني أو لتطور في البنية التحتية التي يمكن أن تجعل من الاقتصادات العالمية أقل اعتمادا على النفط في المدى الطويل. ففي أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كان الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP ينمو بنسبة 2 في المائة سنويا، والدول المستهلكة للنفط كانت لها القدرة المالية على تسريع بناء البنية التحتية للطاقة، استخدام تقنيات حديثة مثل الطاقة النووية والغاز الطبيعي المسال. ونتيجة لكل هذه التطورات كانت الاستعاضة عن النفط سريعة في مجالات الصناعة وتوليد الطاقة، وفي القطاع السكني والتجاري، وفي الوقت نفسه كان قطاع صناعة السيارات يعمل بجد على تطوير كفاءة استخدام وقود المركبات أي تقليل استهلاك النفط. وعلى وجه الخصوص، انخفض الطلب العالمي على زيت الوقود بسرعة من 17 مليون برميل يوميا في عام 1980 إلى 12 مليون برميل يوميا في عام 1985، مع هذا التحول الاستراتيجي في هيكلية نظام الطلب على النفط، استمر التراجع في الطلب على النفط بغض النظر عن حالة نمو الاقتصاد العالمي، أو أسعار النفط.
لقد تغير واقع الطلب العالمي على النفط تغيرا جذريا منذ انهيار أسواق الأسهم العالمية في تشرين الأول (أكتوبر) 2008، نتيجة لأزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة، والتي تحولت على الفور إلى أزمة مالية واقتصادية عالمية، على الرغم من محاولات الدول التخفيف من حدتها. وحتى ذلك الحين، كان الطلب على النفط في البلدان الصناعية المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا يتراجع تحت وطأة الأسعار القياسية للنفط التي شهدتها الأسواق العالمية خلال السنتين الماضيتين بالتحديد، ولكن الطلب على النفط في الصين والهند وبلدان الشرق الأوسط وخصوصا المصدرة للنفط منها وغيرها من الاقتصادات النامية كان يزداد باطراد معوضا أكثر من هذا الانخفاض. في بلدان الاقتصادات النامية، الطلب على النفط يميل إلى أن يكون أكثر استجابة لنمو الدخل، وبالتالي، لا يتباطأ بسهولة، وخصوصا إذا بقي الوضع الاقتصادي العام في البلد مستقرا ومحافظا على قوته إلى حد ما.
أما وقد عانت اقتصاديات البلدان النامية هي الأخرى الانكماش الاقتصادي الحاد، وهو كذلك حال النمو في الطلب على النفط فيها. إضافة إلى ذلك، الطلب على النفط في البلدان الصناعية المتقدمة تراجع بنحو سريع جدا خلال عامي 2008 و2009. نتيجة لجميع هذه العوامل، الطلب العالمي على النفط تراجع بنحو 0.3 مليون برميل يوميا في عام 2008، وهو أول انخفاض له منذ عام 1985. كما تشير معظم الدراسات الآن إلى أن الطلب العالمي على النفط في عام 2009، من المتوقع أن ينخفض انخفاضا حادا بنحو 1.4 مليون برميل يوميا عن العام السابق.
ماذا عن الانتعاش الاقتصادي؟
الانتعاش الاقتصادي قد يكون على الطريق الصحيح إلا أن الانتعاش في الطلب العالمي على النفط لا يزال ضعيفا. في عام 2010، تشير معظم توقعات المحللين إلى أن الطلب على النفط سوف ينتعش من جديد، ولكن بصورة أقل عن المعدلات المسجلة قبل الأزمة الاقتصادية، حيث من المتوقع أن يزداد بحدود 1.0 مليون برميل يوميا أو أقل بقليل عن 2009، ولكن هذا ليس مؤكدا بعد.
أحدث البيانات بشأن الطلب العالمي على النفط لعام 2010 تشير إلى انتعاش وقوة الطلب على النفط في الدول الناشئة والنامية، ولا سيما الصين والهند والشرق الأوسط. حيث إن حزمة الحوافز الاقتصادية في الصين، على سبيل المثال، نجحت في إبقاء البلد على المسار القوي نسبيا في النمو الاقتصادي، على الرغم من بعض الضعف في مطلع عام 2009، إلا أن الطلب على النفط استمر ينمو بمعدل سريع بعد ذلك. حيث إن سياسات التحفيز التي استهدفت قطاع السيارات، والتي في معظمها على شكل محفزات قصيرة الأجل مثل خفض الضرائب والإعانات النقدية المباشرة لمشتري السيارات الجديدة، أدت إلى طفرة كبيرة في مبيعات السيارات. هذا النمو الهائل في أسطول المركبات وفر أساسا قويا لنمو الطلب على البنزين في الصين، هذا النمو سوف يؤدي إلى نمو إجمالي الطلب على النفط في الصين بحدود 0.35 مليون برميل يوميا في عام 2010. وينطبق الشيء نفسه على الهند، حيث ارتفعت مبيعات السيارات الشخصية بصورة كبيرة أيضا وبالتالي استمر نمو الطلب على البنزين فيها.
الطلب على النفط في دول الشرق الأوسط كان جيدا أيضا، على الرغم من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية. في السعودية، حيث إن إنتاج الغاز الطبيعي قد تناقص بالتزامن مع خفض إنتاج النفط الخام، عليه قطاع الطاقة الكهربائية تحول إلى النفط، ما نتج عنه زيادة قوية في الطلب على وقود الديزل والنفط الخام. في حين الطلب على النفط في إيران، الاقتصاد الكبير الآخر في الشرق الأوسط، كان أقل استقرارا، مع انخفاض في الطلب على زيت الغاز وزيت الوقود الثقيل، وذلك لإحلال الغاز الطبيعي الأكثر توافرا. مع ذلك، فإن توقعات الطلب على النفط في عام 2010 في الشرق الأوسط لا تزال قوية طالما الاقتصاد فيها مستمر في النمو. الأسعار المدعومة للوقود وارتفاع مستويات الدخل من المتوقع أيضا أن تدعم نمو الطلب على وقود النقل في جميع أنحاء المنطقة خلال عام 2010. زيادة الطلب على البنزين وغيرها من وقود النقل المدعومة من المرجح أن تؤدي إلى زيادة الطلب على النفط في بلدان الشرق الأوسط، من المتوقع أن الطلب على النفط في هذه المنطقة أن ينمو بنحو 0.25 مليون برميل يوميا في عام 2010.

أمريكا وأوروبا واليابان
النمو الاقتصادي يعود في أمريكا الشمالية، أوروبا واليابان، حيث كان للأزمة الاقتصادية الأثر الأكبر في تلك الاقتصادات. بينما الطلب على النفط ما زال عليه أن يظهر مؤشرات على حدوث انتعاش قوي. مع ذلك، هل سيشهد عام 2010 السنة الأولى في نمو الطلب على النفط في بلدان منظمة التعاون والتنمية منذ عام 2005، حيث الانتعاش بدأ بالتسارع؟ في الولايات المتحدة الطلب على وقود الديزل الأكثر ارتباطا بالنمو الاقتصادي، لا يزال في طور الاحتضار. وإن كان قد توقف عن الانخفاض، إلا أن الطلب على الديزل لم يشهد بعد أي مؤشر في نمو في الطلب مقارنة بالعام الماضي. من ناحية أخرى، الطلب على البنزين في الولايات المتحدة قد سجل حتى الآن أربعة أشهر على التوالي من النمو. لكن هذا النمو ينبغي أن يؤخذ في سياق كونه يحدث ضد خط أساس ضعيف للغاية في الطلب، النصف الثاني من عام 2008، الذي فيه إعصار أيك أوقف شحنات المنتج، وتزامن هذا مع بداية الأزمة الاقتصادية. نسب البطالة المرتفعة جدا ستكون بمثابة معوق لأي نمو قوي في الطلب على البنزين، حيث إن جزءا كبيرا من حجم الطلب على البنزين ذو صلة بحركة النقل. مجموع الطلب على النفط في أمريكا الشمالية من المتوقع أن ينمو بنحو 0.22 مليون برميل يوميا أو أكثر بقليل في عام 2010، بعد أن أنخفض أكثر من 0.8 مليون برميل يوميا في عام 2009.
الطلب الأوروبي على النفتا ووقود الديزل كلاهما مرتبط بالقطاع الصناعي والنمو الاقتصادي، الذي ما زال عليه أن ينتعش بصورة مقنعة ومستديمة. مجموع الطلب على النفط في دول الاتحاد الأوروبي من المتوقع أن ينخفض أيضا في عام 2010 بنحو0.2 مليون برميل يوميا، بعد أن انخفض بنحو 0.6 مليون برميل يوميا في عام 2009.
بلدان منظمة التعاون والتنمية في آسيا والمحيط الهادئ التي تنتعش ببطء من الأزمة الاقتصادية، حيث من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي فيها نموا متواضعا في حدود 1.0 في المائة في عام 2010. على الرغم من عودة النمو الاقتصادي في عام 2010، الطلب على النفط في هذه المنطقة سينخفض بنحو 0.15 مليون برميل يوميا لهذا العام. وذلك لأن اليابان، التي تمثل ما يقرب من نصف الطلب في المنطقة، ستشهد انخفاضا في الطلب على النفط وللعام الخامس على التوالي.
الإمدادات النفطية: إن الصناعة النفطية اليوم تواجه فائضا كبيرا جدا في الطاقات الإنتاجية في جميع حلقات الصناعة النفطية: الاستخراجية، التحويلية، الخدمات، الأنابيب، الناقلات البحرية وغيرها. فعلى سبيل المثال: الطلب على الحفارات Rigs في الولايات المتحدة قد انخفض بصورة كبيرة، كما أن الطاقات الإنتاجية الفائضة Spare Capacity في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) قد ارتفعت بصورة حادة جدا، كذلك المصافي قامت بخفض طاقاتها الإنتاجية بصورة كبيرة. إن الطاقات الإنتاجية الاحتياطية في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" قد ارتفعت إلى أكثر من 6.0 مليون برميل يوميا في عام 2009، أي بزيادة تقدر بنحو 3.0 مليون برميل يوميا عن العام الماضي، بما يعادل نحو 8 في المائة من الطلب العالمي على النفط، أما في عام 2010 من المتوقع أن ترتفع الطاقة الإنتاجية الفائضة إلى نحو 7.0 مليون برميل يوميا.

الانكماش الاقتصادي وتراجع الأسعار
إن الانكماش الاقتصادي الأخير، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط، وتوافر رأس المال وتكلفة تمويل المشاريع الجديدة، وضعت ضغوطا كبيرة على عديد من الشركات العاملة في صناعة الطاقة بصورة عامة والصناعة النفطية بصورة خاصة. إن شركات النفط العملاقة مثل شركة النفط البريطانية، شل، إيكسون موبيل، شيفرون وتوتال الفرنسية وغيرها من الشركات العالمية العملاقة، كانوا الأقل تأثرا بالأزمة الاقتصادية الحالية وانخفاض الأسعار، ذلك لموقفهم المالي القوي وتوافر التمويل والسيولة النقدية لديهم. لكن مع ذلك قامت هذه الشركات ببعض التخفيضات على ميزانياتها, خصوصا تلك غير الإنمائية وغير الأساسية منها. لكن على العكس من ذلك كان للأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط تداعيات كبيرة على الشركات النفطية المتوسطة والصغيرة الحجم، خصوصا شركات الاستكشاف والتطوير ذات الإمكانية المالية المحدودة أو تلك العاملة في مشاريع ذات تكلفة رأسمالية وتشغيلية عالية مثل مشاريع الرمال النفطية (رمال القار) أو مشاريع الحقول البحرية العميقة جدا.
ولكن على الرغم من الاضطرابات الحالية في أسواق النفط العالمية وتذبذب الأسعار، إلا أن عام 2009 شهد زيادة في الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط Non-OPEC نتيجة انتعاش الإمدادات النفطية خلال الربع الأخير من عام 2008. وذلك لعودة الإنتاج من أحد حقول أذربيجان العملاقة الذي توقف في أيلول (سبتمبر) الماضي، وأيضا عودة الإنتاج من حقول خليج المكسيك في الولايات الأمريكية التي توقفت نتيجة الإعصار جوستاف والإعصار أيك، وأيضا نتيجة نمو الإنتاج في مناطق مختلفة مثل المياه العميقة في البرازيل. كما أن ارتفاع أسعار النفط إلى ما بين 70 و80 دولارا للبرميل خلال الفترة الأخيرة، قد ساعد على زيادة وتيرة الاستثمار في الصناعة الاستخراجية، مثل مشاريع الرمال النفطية (رمال القار) أو مشاريع الحقول البحرية العميقة جدا في خليج المكسيك والبرازيل وغيرها. كذلك تراجع تكاليف الإنتاج قد ساعد في ذلك هو الآخر.
في هذا الجانب من المتوقع الآن أن الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط ستزداد بنحو 0.5 مليون برميل يوميا في عام 2009 مقارنة بعام 2008، وهي أكبر زيادة في إنتاج المنتجين من خارج "أوبك" منذ عام 2004. أما في عام 2010، فتشير معظم توقعات المحللين إلى أن الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط ستزداد أيضا، حيث من المتوقع أن تزداد في حدود 0.4 مليون برميل يوميا أو أكثر بقليل عن عام 2009. ذلك أن التوقعات بحدوث انتعاش في الاقتصاد العالمي ونمو الطلب على النفط ستدعم أسعار مرتفعة للنفط الخام، وتوافر الحوافز للمنتجين لتنفيذ مشاريع جديدة. أهم مناطق النمو في الإمدادات النفطية في الدول غير الأعضاء في ''أوبك'' هي: بحر قزوين من كل من كازاخستان وأذربيجان، وكل من أمريكا الشمالية من حقول خليج المكسيك في الولايات الأمريكية والرمال النفطية في كندا، وأمريكا الجنوبية من المياه العميقة في البرازيل، ومن كولومبيا، كما أن الإنتاج الروسي أستعاد بعض عافيته هو الآخر وبدأ بالنمو من جديد. حيث إن الإنتاج الروسي تعدى حاجز عشرة ملايين برميل يوميا في أيلول (سبتمبر). هذا النمو في الإنتاج سيعوض انخفاض الإنتاج من بحر الشمال والمكسيك.
إضافة إلى ذلك، إنتاج دول منظمة "أوبك" من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات النفطية والسوائل النفطية غير التقليدية من المتوقع أن ينمو أيضا بنحو 0.45 و0.55 مليون برميل يوميا في عام 2009 و2010 على التوالي. النمو المتوقع في 2010 في إنتاج الدول من خارج "أوبك" وإنتاج دول منظمة "أوبك" من السوائل النفطية عدا النفط الخام سيغطي تقريبا جميع النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط للعام المقبل.

أساسيات سوق النفط
أسعار النفط: أساسيات أسواق النفط المتعارف عليها المتمثلة في العرض والطلب، الطاقات الإنتاجية الاحتياطية والمخزون العالمي من النفط جميعها اليوم لا تدعم الارتفاع في أسعار النفط التي شهدتها الأسواق العالمية خلال الأشهر القليلة الماضية. حيث إن الطلب العالمي على النفط ما زال ضعيفا والطاقات الإنتاجية الاحتياطية ارتفعت إلى نحو سبعة ملايين برميل يوميا، كما ارتفع المخزون النفطي العالمي إلى مستويات قياسية هو الآخر، حيث وصل المخزون العالمي من النفط والمنتجات لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فقط إلى نحو 2.77 مليار برميل في نهاية الربع الثالث من العام الحالي، 115 مليون برميل أكثر من معدل السنوات الخمس. لكن هذا المخزون النفطي الكبير في الخزانات البرية والبحرية لم يؤثر بصورة كبيرة في أسعار النفط العالمية، ذلك نتيجة تدفق رؤوس الأموال المضاربة في العقود الآجلة للنفط، ما أدى إلى تعميق الـ"كونتانجو – Contango" في أسعار النفط الخام، بمعنى أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، ما جعل عملية التخزين أكثر ربحية وفي الوقت نفسه ساعد على إخراج فائض المعروض من الأسواق.
كذلك الأسواق العالمية للنفط أصبحت أيضا تتأثر بعوامل أخرى باتت تعرف بأساسيات السوق الجديدة، مثل المضاربين، سعر صرف العملات وخصوصا الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى والتوقعات والتكهنات المستقبلة عن حالة الاقتصاد والأسواق. السؤال المهم في هذا الجانب هو: ما درجة تأثير هذه العوامل في الأسواق العالمية للنفط، وإلى أي مدى يمكن لها أن تصمد أمام أساسيات الأسواق التقليدية وخصوصا تلك المتعلقة بالعرض والطلب وحالة الاقتصاد؟
مع ارتفاع أسعار النفط ضمن نطاق 70 - 80 دولارا للبرميل، برز التنافس بين أساسيات السوق النفطية الضعيفة حاليا محاولة خفض الأسعار، والأساسيات الجديدة المدعومة بارتفاع تكاليف مشاريع النفط تحاول رفع الأسعار، بما في ذلك ضعف الدولار الأمريكي، التوقعات لعودة ظهور التضخم ونشاط المضاربين، هذا التنافس بين أساسيات السوق التقليدية والجديدة دفع منحنى الأسعار الآجلة للنفط إلى أن تكون بحالة الـ "كونتانجو". في هذا المجال يجمع معظم المختصين على أن العرض والطلب وباقي أساسيات السوق النفطية المتعارف عليها هي التي تحدد اتجاه الأسواق على المدى البعيد، بينما باقي العوامل (الأساسيات الجديدة) تعمل فقط على تفاقم هذا الاتجاه في المدى القريب. خلال الربع الأخير من عام 2009، سعر خام غرب تكساس الوسيط كان أقل تقلبا في تشرين الثاني (نوفمبر) من تشرين الأول (أكتوبر)، حيث تم تداوله ضمــن نطاق 75 - 80 دولارا للبرميل. هذا وقد وبلغ متوسط سعر خام تكساس الوسيط في تشرين الثاني (نوفمبر) 78 دولارا للبرميل أي بزيادة قدرها دولاران للبرميل مقارنة بمتوسط شهر تشرين الأول (أكتوبر). تعكس هذه الزيادة تحسن توقعات الانتعاش الاقتصادي العالمي وارتفاع استهلاك النفط في موازنة المخاوف من الارتفاع الحالي في مستوى مخزون النفط. لكن أسعار النفط هبطت أكثر من ثمانية دولارات للبرميل من 1 إلى 14 كانون الأول (ديسمبر)، وهي أطول فترة هبوط في الأسعار منذ تموز (يوليو) 2001، يعزى هذا الهبوط في الأسعار إلى تحسن سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى وارتفاع المخزون في الولايات المتحدة الذي أثار الشكوك حول وتيرة انتعاش الطلب في أكبر مستهلك للطاقة في العالم. هذا الهبوط ينسجم مع توقعات المحليين التي تجمع على أن أسعار خام غرب تكساس الوسيط الآنية ستضعف على مدى الشهور القليلة المقبلة ومن ثم ترتفع بحلول نهاية عام 2010. حيث يتوقع معظم المحليين الآن أن يبلغ متوسط سعر خام تكساس الوسيط 70 دولارا للبرميل أو أكثر بقليل في عام 2010. هذا التوقع إضافة إلى تحسن توقعات الاقتصاد والطلب، مدعوم بارتفاع تكاليف مشاريع النفط وخصوصا المشاريع الهامشية الأكثر تكلفة marginal cost projects، التي وضعت أرضية لأسعر النفط. هبوط الأسعار دونها سوف يخل بالتوازن بين العرض والطلب لصالح الطلب وتعود الأسعار للارتفاع من جديد.

خبير في شؤون الطاقة

الأكثر قراءة