الحاجة إلى دراسة تأثير الديون العائلية (2)
لقد أثبتت بعض الدراسات العلمية أن التوجه نحو الإعلام لتعزيز ثقة الفرد بالدولة والمجتمع حقق إيجابيات عادت على جميع شرائح المجتمع بالازدهار. في متابعة لما يبث وينشر في بعض وسائل الإعلام المختلفة حول العالم، وجدت أن التوعية الاقتصادية والتثقيف الصحي برامج متلازمة مستمرة في كثير من الدول المتقدمة. مع أن المجتمعات في تلك الدول تتمتع بوعي كبير في هذه النواحي معتمدين على نظام التعليم والانفتاح الإعلامي وغير ذلك، إلا أن هذه البرامج تأخذ حيزا كبيرا من وقت القراء أو المشاهدين أو المستمعين. وتجعلهم أكثر وعيا بما يدور حولهم إلى حد كبير. إنهم يعون أن الحياة تتجدد وكذلك ظروفها، والأجيال تتعاقب وبالتالي مفاهيمها. لذلك وللمسؤولية الاجتماعية من قبل ذوي المعرفة والعلم وأصحاب القرار تجاه الجميع، يصبح من الواجب استمرار تنفيذ برامج توعوية وبواسطة خبراء ومتخصصين، حتى تتحقق الأهداف الرامية لتنشئة مجتمعات مثقفة ومدركة لشؤونهم ولديهم الطريقة التي تساعدهم على تفادي السقوط في أزمات تؤثر في مستقبل الأجيال. هذه البرامج عادة ما تكون مدفوعة التكاليف من قبل عديد من الجهات وتقودها الجهات الحكومية ذات العلاقة، والبنوك المحلية والمؤسسات الخيرية والشركات الكبيرة وبالطبع أهل الخير الشاعرون بمسؤولياتهم الاجتماعية في مسيرة أوطانهم التنموية.
الآن وقد أعلن إطلاق أربع قنوات جديدة في السعودية منها الاقتصادية والثقافية، إضافة إلى «الإخبارية» وغيرها. يتوقع أن تقود هذه القنوات المعرفة في الأوساط العربية والإسلامية لأن الأهداف حددت والرسالة جاءت مع افتتاحها واضحة وجلية. ماذا لو خصصت القنوات الفضائية (الثقافية والاقتصادية) التي تقضي معظم الوقت في نقل الأخبار الاقتصادية وتحليل الأسواق المالية ومتابعة صفقات الشركات العالمية حلقات مسلسلة للتوعوية الاقتصادية لفئات المجتمع كافة. نريد أن تكرس هذه المسلسلات أو الحلقات على التعامل مع الأفراد أو الأسر بشكل لصيق فتتعرف على ما يجب أن تحرص عليه وما يجب أن تمرحله أو تهمله. لتكن هذه البرامج عبارة عن «استشارة مالية تفاعلية» تتمرن العقول بها على كيفية حل المشكلات المالية. فتارة تتناول السحوبات النقدية لجميع الذين يحفظون أرصدتهم في البنوك دون حفظ بيان بعدد السحوبات وحجم المبالغ المسحوبة وفيم صرفت. وتارة أخرى تحاكي المصاريف المنزلية التي تتنامى من دون أي تنظيم أو خطة مستقبلية لكبحها. ويمكن أن تخصص تغطية لهؤلاء الذين استسهلوا بيع الأثاث والممتلكات أو الإبقاء عليها وكان لا بد من عمل العكس، وهكذا. ففي كل ظرف لا بد من خطة إنقاذ مالية بنودها تختلف حسب الظروف وجرأة القرار وسلامة التنفيذ وهي تحتاج إلى متخصص متمرس في تقديم الاستشارات المالية.
عمليا يمكن اقتراح بث حلقات مسلسلة أسبوعية تكرر دوريا، تركز مثلا على: (1) كيفية إدارة المصروفات الخاصة بالأُسرة. حيث إذا تعلم رب البيت أنه المسؤول الأول عن كل ما يصرف في منزله، فسيحمي أسرته مغبة الديون، ومطالبتهم بها إذا ما تقاعد أو حتى بعد رحيله. هذا التفكير لا بد أن تتحلى به الأسر لتعيد توازنها أو أن تجد التوازن الذي يسير بها إلى بر الأمان. (2) كيفية الادخار للاستثمار. فقد يبدو للبعض أن هناك من بدأ يقلل من المصاريف ويحاول جمع بعض المبالغ إلا أنه لا يزال مستمرا في المحاولة. هؤلاء غير دقيقين في الحساب ويجدون لأنفسهم العذر في بعض التصرفات من دون وعي بعواقبها. فإذا ما تقدموا خطوة عادوا ثلاثا للوراء، دون عناء معرفة السبب. الاستشارة الاحترافية هنا ستعلمهم وتضع أيديهم على مواقع التسرب وأين كان هوى النفس. وبالتالي تضيء لهم طريق النجاة ليسلكوه عمليا وباختراق خطوة خطوة. (3) معالجة ديون الأسر سواء المديونة بقروض للبطاقات الائتمانية أو شراء عقارات سكنية، أو سيارات لمختلف الأغراض، أو أجهزة منزلية، أو تورطوا من غير دراية كافية بضمانات مالية معينة، ولا يستطيعون الوفاء بالتزاماتهم. هؤلاء يحتاجون إلى استشارة احترافية لا عابرة غير مهنية، فمع أنهم يعيشون عيشة الوجهاء إلا أن جيوبهم جوفاء وتنظم فيهم قصائد للرثاء. إن البدء باتخاذ خطوات عاجلة للحلول حتى ولو كانت قاسية، أفضل من التباطؤ بالنظر للحال، والتباكي على فقد الأموال. علينا أن نبدأ التفكير في وضع خطة مالية للصرف حتى نتمكن من تفادي الوقوع في الديون، وإذا ما وقعنا فيمكن أن نبدأ مرة أخرى بعد السداد ولكن شريطة ألا نعود للدوامة نفسها مرة أخرى.
هناك مقولة مأثورة مفادها: «كيف يدير الأطفال أموالهم وهم بالغون أمر يتعلق بكيف تمت تربيتهم على ذلك من الصِّغر». لذلك فمادة إعلامية محبوكة تحاكي الجمهور، يمكن أن تتضمن توجيه الأبناء من المرحلة الابتدائية، على الشعور بالمسؤولية. فترفع الخجل عمن قرر العمل مساء لإعانة أهله، أو لجأ يافع إلى توفير مبلغ شهري للطوارئ، أو غير ذلك من الأفكار التي قد يراها الفرد نادرة ولكنها تنفع أن تكون أفضل بادرة. عموما قد تتولى جمعية الاقتصاد السعودية المهمة مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الإعلام فتوقعان اتفاقيات مع شركات إنتاجية دولية متخصصة تنسق لهذا العمل الجبار المماثل لأعمال قائمة في دول أخرى. أتوقع بقيامنا بذلك ستتوافر لنا قواعد بيانات جديدة عن بعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للأسر بمختلف أحجامها وأطيافها قد لا تكون معروفة. من ناحية أخرى، سنقود الفضائيات إلى صالح ومنفعة المجتمعات، بدلا من تضييع الوقت في كثرة الأحاديث من دون طائل، وشحن الأحقاد وتشويه السمعة وتكرار ما لا فائدة منه. أعينوهم نكسب مجتمعا متعاونا، والله المستعان.