كعكة الميزانية .. توجهات الاقتصاد السعودي
يقصد بكعكة الميزانية حجم الإيرادات العامة للدولة من واقع الميزانية العامة. ويقصد بقطعة الكعكة مخصص كل بند من بنود النفقات العامة للدولة من الإيرادات العامة بالمعيار النسبي عوضاً عن الكمي. بمعنى، إن كان التعليم على سبيل المثال يستحوذ على قرابة 25 في المائة من حجم الإيرادات العامة بغض النظر عن حجم الإيرادات، فما انعكاسات حجم المخصص النسبي من الإيرادات العامة للدولة على قطاع التعليم؟ وما انعكاسات هذه النسبة على باقي القطاعات الأخرى ذات العلاقة بقطاع التعليم؟ وهل من الممكن استقراء مستقبل الاقتصاد السعودي من خلال النظر في تغير حجم نسب مخصصات بنود النفقات العامة من عام مالي إلى آخر، ومن خطة خمسية إلى أخرى؟
عديدة هي الفوائد المستوفاة عند النظر إلى توجهات الاقتصاد السعودي خلال الأعوام الخمسة المقبلة (2010/2014) من منظور ملامح الميزانيات العامة للدولة خلال الأعوام الخمسة الماضية (2005/2009). تحمل هذه النظرة في طياتها محاولة استقراء مستقبل الاقتصاد السعودي ورسم توجهاته من واقع سلوكياته التاريخية في توزيع الإيرادات العامة على بنود النفقات العامة.
يكمن دافعان رئيسان خلف هذه النظرة. الدافع الأول ذو نظرة متوسطة المدى، كون أن الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1431/1432هـ، التي أقرها مجلس الوزراء الموقر أخيراً، تمثل ميزانية أول عام مالي للخطة التنموية الخمسية التاسعة (2010/2014). تركز هذه الخطة على محاور جديدة لم تحظ من قبل بالحجم الكمي والكيفي نفسه من التركيز في الخطط التنموية السابقة.
والدافع الثاني ذو نظرة بعيدة المدى، مفادها التعرف على مدى سير الاقتصاد السعودي على طريق تحقيق رؤيته الاستراتيجية بحلول 2025م، بعون الله تعالى. رؤية تستهدف أن ''يكون الاقتصاد السعودي، إن شاء الله، بحلول عام 1444/1445هـ (2024م)، اقتصادا متطورا منتعشا ومزدهرا، قائما على قواعد مستدامة، موفراً فرص عمل مجزية لجميع المواطنين القادرين على العمل، متسماً بنظام تعليم وتدريب عالي الجودة والكفاءة، وعناية صحية متميزة متاحة للجميع، إضافة إلى جميع الخدمات الأخرى اللازمة لتوفير الرفاهية لجميع المواطنين، وحماية القيم الاجتماعية والدينية والحفاظ على التراث''.
من الأهمية بمكان قبيل مناقشة الموضوع مراجعة منهجية وزارة المالية في الإعلانات السنوية حول الميزانية العامة. دأبت وزارة المالية على اتباع صياغة موحدة عند إعلانها السنوي عن الميزانية العامة للدولة. قسم الإعلان إلى أربعة أبواب رئيسة. الباب الأول ''النتائج المالية للعام المالي الحالي'', ويشمل بيانات كمية فعلية حول ما تم صرفه خلال العام المالي الحالي. والباب الثاني ''الميزانية العامة للدولة للعام المالي المقبل''. ويشمل استقراء مختصر للعام المالي المقبل، مع خلاصة شمولية عن تقديرات الإيرادات والنفقات العامة والفائض أو العجز. والباب الثالث ''الملامح الرئيسة للميزانية العامة للدولة للعام المالي المقبل''. ويشمل بيانا كميا عن مخصصات كل بند من بنود الميزانية العامة للدولة للعام المالي المقبل. والباب الرابع ''تطورات الاقتصاد الوطني''. ويشمل وصفا شموليا عما تم إنجازه خلال العام المالي الحالي في أفرع الاقتصاد الكلي المختلفة. يركز نقاش هذه الزاوية على محتويات الباب الثالث أعلاه ''الملامح الرئيسة للميزانية العامة للدولة للعام المالي المقبل''. قسّم الباب بنود صرف الميزانية العامة للدولة إلى سبعة قطاعات: ''التعليم''، و''الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية''، و''البلدية''، و''النقل والاتصالات''، و''المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية''، و''صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية''، وأخيرا باقي القطاعات تحت اسم ''قطاعات أخرى''.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى معدل نسبة مخصص كل قطاع من هذه القطاعات السبعة خلال الأعوام الخمسة الماضية (2005/2009) إلى إجمالي النفقات، ومن ثم مقارنة هذه المعدلات النسبية مع نسب المخصصات ذاتها للعام المالي المقبل (2010).
استحوذ ''قطاع التعليم'' على معدل النسبة الأكبر من بنود النفقات العامة خلال الأعوام الخمسة الماضية (2005/2009) بمعدل 26 في المائة. يليه قطاع ''الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية'' بمعدل 10 في المائة. فقطاع ''المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية'' بمعدل 7 في المائة، ثم قطاع ''صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية'' بمعدل 5 في المائة. فقطاع ''الخدمات البلدية'' بمعدل 4 في المائة، وأخيرا، قطاع النقل والاتصالات بمعدل 3.5 في المائة.
أما باقي القطاعات والمجموعة في البند الأخير، ''قطاعات أخرى''، فقد حظيت بما معدله 44 في المائة من إجمالي النفقات العامة خلال الأعوام الخمسة الماضية (2005/2009). وعلى الرغم مما يمثله هذا المعدل من حجم كبير يقارب النصف، إلا أن إعلانات الميزانية العامة اعتادت على عدم تفصيل هذا البند. ولعل تركيز الميزانيات العامة للدولة منذ الخطة التنموية الخمسية الخامسة وحتى اليوم على القطاعات ذات الصلة بالخدمات والتنمية شكّل مبررا منطقيا لعدم توضيح البنود المندرجة تحت البند الأخير، ''قطاعات أخرى''.
عديدة هي الفوائد عندما نقارن هذه المعدلات النسبية الخمسية مع نسب مخصصات القطاعات ذاتها للميزانية العامة للدول للعام المقبل (2010)، فإننا نجد أن هناك قطاعات اعتمدت لها نسب تفوق معدلها النسبي الخمسي، وقطاعات أخرى عكس ذلك.
فمن القطاعات التي اعتمدت لها نسب أعلى قطاع ''صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية''، بزيادة 66 في المائة على المعتاد. يليه قطاع ''النقل والاتصالات''، بزيادة 28 في المائة على المعتاد. فقطاع ''الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية''، بزيادة 25 في المائة على المعتاد. ثم قطاع ''المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية''، بزيادة 12 في المائة، على المعتاد. وأخيرا قطاع ''الخدمات البلدية''، بزيادة 3 في المائة على المعتاد.
وعلى الرغم من هذه الزيادات، إلا أنها لم تشمل جميع القطاعات. فقطاع ''التعليم''، اعتمدت له مخصصات أدنى بنسبة 16 في المائة عن المعتاد، و''قطاعات أخرى'' أعتمدت لها مخصصات أدنى بنسبة 2 في المائة عن المعتاد.
تقودنا هذه المقارنة البينة بين معدلات نسب بنود الإنفاق العامة إلى التعرف على توجهات الاقتصاد السعودي خلال الفترة المقبلة. حيث نجد أن الاقتصاد السعودي سيتوجه بشكل أكثر نحو الدعم الشعبي، والعقاري، والصناعي بشكل مباشر من خلال برامج التمويل الحكومي. كما نجد أيضا توجها إلى إعادة تطوير البنى التحتية من خلال قطاعاتها الرئيسة. نخلص من هذه الخطوط العريضة إلى ما قد تسهم به هذه التوجهات في نمو القطاعات الإنتاجية ذات العلاقة ببرامج التمويل الحكومي والبنى التحتية. قطاعات إنتاجية مختلفة ستحظى بموجات نمو خلال الفترة الزمنية المقبلة (2010/2014)، بعون الله تعالى، متى ما استطاعت تلبية احتواء التوسع في بنود الإنفاق العامة المستهدفة أعلاه.
نخلص من هذه الخطوط العريضة لإجابات التساؤلات في مطلع هذا المقال إلى التوكيد على ثلاثة أمور رئيسة حول زيادة فاعلية آليات تنفيذ المشاريع التنموية المعتمدة في الميزانيات المالية المقبلة, ما من شأنه زيادة درجة التوافق بين المسيرة المأمولة وشبيهتها الواقعية. الأمر الأول، أهمية مقارنة إنجازات اليوم بطموحات الغد، عوضا عن حقائق الأمس، عن طريق وضع أهداف محددة لكل قطاع. والثاني، أهمية الاستدامة على قياس الأداء بما يضمن إعطاء صورة أكثر واقعية عن توجهات خطى اليوم. وأخيرا، أهمية اتباع آليات مرنة خلال مراحل تنفيذ المشاريع التنموية بما يضمن تعديلها متى ما اقتضت المستجدات ذلك.