هل تدمر النظريات الرياضية الأسواق المالية؟
ومن ثم فإن البث عن علم للشؤون المالية لا بد وأن ينتهي بالفشل الذريع. فإضافة إلى استحالة التنبؤ بسلوك الناس، لا يمكن أيضا التعرف على التأثيرات الكاملة لقراراتهم. فقد فشل علم الاقتصاد في التنبؤ بكوارث اقتصادية كبرى مثل الانهيار الكبير لسوق الأسهم الأمريكية في عام 1929 وعجز أمريكا اللاتينية عن تسديد ديونها في الثمانينيات من القرن الماضي والأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2007.
على الرغم من قلة عدد خبراء التحليل الكمي مقارنة بغيرهم من خبراء الاقتصاد، إلا أن تأثيرهم الكبير لا يتناسب مع قلة عددهم. فما يقدمونه من نظريات ونماذج تساعد على توجيه قرارات التجارة واستراتيجيات السوق لمعظم المؤسسات المالية الكبرى.
ازداد نفوذ التحليل الكمي إلى المؤسسات مع دخول الكمبيوتر إليها بسبب مهاراتهم التكنولوجية. وهم يختلفون عن الأكاديميين في أنهم يعترفون بعدم كفاية ما يقدمونه من نماذج, فأساتذة علم الاقتصاد المالي في الجامعات يؤمنون بأهمية التنبؤات الرياضية في السوق أكثر من خبراء التحليل الكمي أنفسهم.
يضرب الكتاب مثلا بانهيار بنك ليمان براذرز وكونه أمرا غير وارد في النظرية الاقتصادية التقليدية التي تفترض فعالية السوق. ومع ذلك فقد حدث هذا الانهيار بشكل لم يتوقعه أحد، ولم يتمكن خبراء التحليل الكمي من التنبؤ بالانهيار لأن نماذج التحليل الكمي تقول إن مثل هذه الأحداث نادرة ومستبعدة تماما.
يدعو الكتاب إلى إلغاء جائزة نوبل في الاقتصاد ويراها الخطوة الأولى على سبيل تصحيح المسار. ويرى أن منح الجوائز المرموقة في مجال الاقتصاد يعد مشكلة خطيرة.
يتناول الكتاب مفهوم القيمة المعرضة للخطر وهي مقياس كمي يفترض أنه يقيس معظم ما يمكن لمحفظة الأوراق المالية أن تخسره. يعتمد هذا المقياس على كل من البيانات والافتراضات. يفترض هذا المقياس توزيعا عاديا تكون فيه الأحداث المتطرفة نادرة, وعلى الرغم من العيوب الكثيرة لهذا المقياس إلا أنه كان سائدا بين مديري المخاطر في المؤسسات المالية الكبرى.
إحدى عواقب الاعتماد على هذا المقياس هي سوء التقدير واسع النطاق للمخاطر من جانب المستثمرين في السندات المدعومة بالرهن العقاري وغيرها من التزامات الديون. وعلاوة على هذا, فإن البنوك قبلت هذا المقياس واستخدمته بمنهجية لتحديد متطلبات رأس المال للمؤسسات المالية الكبرى. ومن ثم فإن مقياس القيمة المعرضة للخطر شجعت الناس على الاستثمار الذي يفتقر إلى الحكمة وهكذا أسهمت في كارثة الائتمان.