كارثة جدة واللجنة وسقف التوقعات
أثلج سيدي الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين, صدور المواطنين والمتضررين من هذه الكارثة التي أصابت عروس البحر الأحمر, بأمره -حفظه الله - بتشكيل لجنة على مستوى عال برئاسة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وعضوية عدد من القياديين الممثلين للأجهزة الحكومية, هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة والدفاع المدني والمباحث الإدارية والاستخبارات ووكيل إمارة منطقة مكة المكرمة.
ولعل هذا الاهتمام الكبير من خادم الحرمين الشريفين والأمر الملكي، المنظم لعمل هذه اللجنة وتشكيلها وتفويضها في استدعاء كائن من كان للاستفسار عن أسباب وقوع هذه الكارثة غير المتوقعة, حيث إن نسبة ما هطل من أمطار صباح يوم 8/12/1430هـ ومقدارها نحو 92 ملليمترا, لا تسبب في بلدان أخرى تهطل عليها الأمطار بكميات كبيرة أي أضرار, ولأن هذه الكمية بأمر الله يمكن احتواؤها لو توافرت المصارف المناسبة وخطوط مسارات كميات الأمطار, ومع أننا جميعاً استبشرنا بهذه الرحمة الإلهية ولم نكن نتصور ما صاحبتها من أضرار في النفوس والممتلكات والمباني والسيارات وصلت إلى جامعة الملك عبد العزيز وبعض المنشآت الأهلية الأخرى وأحدثت فيها دمارا في الآلات والمعدات وأدوات المختبرات وغيرها, وقد تضرر أيضا كثير من المناشط التجارية كالمستشفيات ومحطات البنزين والمناشط الأهلية التجارية الصغيرة والمتوسطة في المنطقة. والحقيقة أن المبادئ الإدارية تنص على أهمية الاستقصاء للأسباب والمسببات, وكذلك المتسببين في مثل هذه الكارثة, لكن دعوني وبتصور بسيط لنفسي أولاً ثم للقارئ, إذا كانت مصلحة الأرصاد والدفاع المدني ومرور جدة قد عايشت وتوقعت تساقط هذه الكمية من الأمطار, ولا شك أن رتل السيارات في طريق مكة القديم وطريق الحرمين كان واضحا للعيان, فلماذا لم يتدخل الدفاع المدني وكذلك المرور بإرشاد هذه السيارات وقد تلف فيها ما يزيد على ثمانية آلاف سيارة للعودة إلى أماكن آمنة, حيث انتظرت بعض السيارات في الطريق مدة لا أعرف مقدارها زمنيا, لكن أعتقد أنها كانت كافية لإعادة هذه السيارات وإرشادها إلى مناطق آمنة كانت بتوفيق الله ستكون سبباً في إنقاذ كثير من الأرواح, خاصة أن حجم الوفيات في السيارات والغرق في السيل مثل نحو 80 في المائة من الوفيات؟ وبعد أن فات تقديم حلول عاجلة جذرية عند الواقعة وقدر الله ما كان, فإن اللجنة لديها العديد من الأسباب والمسببات لاستدعاء بعض المسؤولين السابقين في المصالح ذات العلاقة, خاصة أن وزارة المالية أشارت إلى أن ما صرف على البنية التحتية في جدة, خاصة الصرف الصحي وتصريف السيول, تجاوز ما صرف على العاصمة الرياض بكثير, وأن الشعب السعودي يرفع الآن سقف التوقع بأن تخرج هذه اللجنة, وقد أعطاها خادم الحرمين الشريفين الصلاحيات كافة, بقرارات حازمة لتعالج مصارف الفساد وأسباب التراخي الإداري, وكذلك ما تكون الأيادي قد امتدت إليه من المال العام بأي صورة كانت, خاصة أن لغطا كثيرا واتهامات تتوالى ـ وقد سارع الأمين السابق المهندس عبد الله المعلمي وكذلك الدكتور المهندس نزيه نصيف إلى تزويد بعض الصحف ببعض الأخبار عن مرحلة إدارتهما أمانة جدة, كما أن اتهام العشوائيات والمباني في مسارب الأودية ومصارف السيول بأنها كانت سببا, فإن كانت كذلك فمن الذي منح رخص البناء وأمد بالماء والكهرباء ومهد الطرق, خاصة أنني أعرف شخصيا أن بعض الأراضي التي تم البناء عليها هي أراض مملوكة لأشخاص وبوثائق رسمية (صكوك), وأن هؤلاء الذين بنوا واعتدوا على هذه الأراضي لم يكن لهم رادع ولا مانع في السنوات السابقة وتفاخر أمانة منطقة جدة بأنها استعادت ملايين الأمتار من الأراضي بما يزيد على 192 مليون متر من الأراضي الحكومية, وهل تعالج هذه المشكلة وتضع حلولا لهذه الأحياء العشوائية التي امتدت لها يد البناء الليلي في غفلة عن ملاكها، وتضع اللجنة أو تقترح بعض الحلول لإسكان هؤلاء المتضررين في أراض حكومية من التي تمت استعادتها ممن استولوا عليها أو تسليمها لهيئة الإسكان التي تشكو قلة الأراضي المسلمة لها, أو تقوم اللجنة بالاتفاق مع بعض ملاك هذه الأراضي لعمل نموذج لتطوير هذه الأحياء ومنح وبيع جزء منها لتعويض أصحابها المالكين. إن الجماهير تتطلع إلى أن تجيب اللجنة الذئب من «رأسه», وإن الجميع يتوقع وقد منحت هذه اللجنة الضوء الأخضر لتكون لها بعد التثبت واليقين قرارات عاجلة ومهمة, خاصة أنها أول لجنة تعطى صلاحيات واسعة لمعالجة الغش وأسبابه ومسبباته. وقد قدمت الصحف كثيرا من العون للجنة بإرشاد أعضائها إلى بعض تواريخ الفساد وكادت تفصح عن بعض الأسماء، كما نشرت بعض الصحف وأشار بعض الكتاب. إنني واثق أن قصد الكتاب هو إنارة اللجنة ومساندتها وليس إثارتها وأن اللجنة الفاضلة ستعمل على الاستعانة بكافة الوثائق والدراسات والمقالات, وما يصل إلى موقعها الإلكتروني من معلومات بعد دراستها وتدقيقها والتأكد من صحتها، ولا شك أن الكم الكبير من هذه المعلومات عندما تقوم اللجنة برصده سيكون في حد ذاته مساعداً للجنة على دراستها وتقويمها للأحداث. نسأل الله لها الإعانة والتوفيق والسداد, وأن تكون الانطلاقة الأولى لتلمس الشفاء من الفساد وأسبابه ومسبباته وأهالي جدة لن يمحو من ذاكرتهم تذكيرهم بالماضي, فهم في حاجة إلى رؤية المستقبل الواعد برعاية الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة ـ والله الموفق.