هل الأجدى مراقبة أسعار المياه الغازية أم أسعار المواد الغذائية؟
استيقظت وزارة التجارة من سباتها مطلع الأسبوع الماضي عندما قررت شركة بيبسي كولا رفع أسعار منتجاتها بنسبة 50 في المائة التي وصلت إلى 100 في المائة. انتقدت الوزارة ما أقدمت عليه مصانع المياه الغازية في السوق السعودية من رفع الأسعار من دون التنسيق معها وأخذ موافقتها بصفتها الجهة الرسمية الرئيسة التي تراقب حالة الاستقرار داخل الأسواق المحلية بين طرفي الصراع المستهلك والشركات.
ومن حق مصانع المشروبات الغازية أن تتعجب من سر انتقاد وزارة التجارة لها وطلبها مبررات جراء ما أقدمت عليه، فشركة البيبسي ليست الوحيدة التي ترفع الأسعار من دون علم الوزارة، ولم نعهد أن الشركات والمؤسسات تنسق مع وزارة التجارة عند الرغبة في رفع أسعار سلعها، فكثير منها ترفع وتخفض وتصول وتجول دون رقيب أو عتيد. لماذا هذه الثورة من الوزارة التي عودتنا الصمت المريب والسبات العميق؟ لم نسمع أو نر انتقاد وزارة التجارة لشركات الحديد وهي ترفع أسعار منتجاتها خلال الأعوام الماضية لدرجة أعاقت به سوق العقار وسوق المقاولات والاقتصاد السعودي برمته، كما أن أسعار السلع الأخرى من الملابس إلى الأدوات المنزلية مرورا بالأثاث, فالأطعمة والخضراوات ترتفع وتنخفض من دون التنسيق مع الوزارة وبنسب تصل أحيانا إلى 300 في المائة، غير مكترثة بأي جهة حكومية أو غير حكومية.
لقد وصل الحال بوزارة التجارة أن تطاولت عليها الشركات, منها المؤسسات الفردية الصغيرة والمطاعم الشعبية، فالمطاعم على سبيل المثال عادة ما تهددنا برفع أسعار منتجاتها قبيل بعض المواسم كرمضان وعيد الأضحى، لأنها على يقين بأن ''التجارة'' عاجزة عن حكم السوق فترى أنها القطب الوحيد الذي يتحكم فيها. وقد أخذت هذه التهديدات شكل تكتل ضمني يحمل في طياته تحالفا منظما ومبطنا. ونعرف أن هذا النوع من التهديد عادة ما يصدر من الشركات المساهمة أو القابضة, إما أن يكون منبعه أبسط أنواع المشاريع وفي وسائل الإعلام الرسمية فلم يَقدِم عليه إلا المطاعم وشركات الأغذية السعودية.
أين ''التجارة'' من كل هذا؟ فلم نسمع أو نر أي ردة فعل, كما تفعل الآن مع مصانع البيبسي. وأنا هنا لا أقف محاميا ومدافعا عن مصانع المياه الغازية, وليس لدى أدنى مصلحة في رفع أسعارها أو تخفيضها أو تقديم منتجاتها مجانا، ولكن كلنا نعرف القاعدة البسيطة التي تقول ''علينا أن نبدأ بالمهم فالمهم''، فهل من الأجدى ملاحقة مصانع المشروبات الغازية أم طلب مبررات لرفع أسعار المواد الغذائية والحديد خلال الأعوام الماضية, التي مكثت سنين تستغل السوق وما زال بعضها مستمرا في غيه حتى الآن. 2
لقد ابتعدت ''التجارة'' عن أداء مهمتها كمؤسسة حكومية وأصبحت أقرب ما تكون إلى جمعية لحماية المستهلك تكتفي بالوعظ، والتوعية، وتنوير المستهلكين. وأبلغ استدلال على هذا ما تقوم به بعض فروع الوزارة من تحذير الناس من شراء مستلزماتهم من المحال التي يُطلق عليها ''محال أبو ريالين'' المنتشرة في أغلبية المدن السعودية. تقوم بعض فروع التجارة بتحذير المستهلكين من هذه المحال بحجة رداءة الجودة تارة والخطر على الصحة والبيئة تارة أخرى، في الوقت الذي تمنحها الترخيص وتستوفي منها الرسوم. ولا نريد أن نسهب حول محال ''أبو ريالين'' التي تعرف في الأسواق الدولية بـ ''فاميلي دولار'' Family Dollar أو ''دولار تري'' Dollar Tree، لأنه سيكون لنا معها وقفات في مناسبات قادمة ـ بإذن الله، نبين كيف تعاملت معها وزارات التجارة حول العالم وكيف تصدت لها عمالقة الخصومات كـشركتي وال مارت وتارقت. نعود إلى الموضوع ونقول إذا كانت الوزارة جادة في إعادة سيطرتها على الأسواق فإننا نرى أن تقف على استراتيجيات تسعير السلع الضرورية كالمستلزمات الغذائية الأساسية مثل الحليب والأرز والفواكه, إضافة إلى أسعار المستلزمات الطبية, فالإحصاءات تشير إلى أن أسعار الأدوية في السعودية من أغلى دول العالم.
أما المياه الغازية, فإن ارتفاع أسعارها ربما يؤدي إلى انخفاض استهلاكها، لأن بعضهم يرى أن مضار الغازيات تقترب من مضار التبغ, بمعنى أن مضارها على صحة الإنسان تقترب من مضار السجائر، فإذا زادت أسعارها ربما يفكر كثيرون في الإحجام عن شرائها لأن قيمتها تزيد على منفعتها. كما أنها من السلع التي تدور الشكوك حول مصادر تكوينها، فالشائعات تقول إن سر صناعة المياه الغازية و''الكولا'' بالذات ما زالت في طي الكتمان ولا تعلم حتى الشركات الموزعة سر مكوناتها، ولم نر أي تكذيب من الشركات المنتجة للمشروبات الغازية حول هذه الشائعة.
وهنا أختم وأقول: هل تريد وزارة التجارة عند طلبها المبررات من شركة بيبسي حيال رفع أسعار منتجاتها أن تقنعنا بأنها على علم بكل ما يدور في الأسواق المحلية وأنها قادرة على إدارة الأسواق بكل تعقيداتها رغم محدودية مواردها البشرية، وتقادم آلياتها الرقابية، وضعف هياكلها التنظيمية؟ فحسب علمنا أنها لو اجتمعت بكل طاقمها الإداري والوظيفي لما استطاعت أن تدير وتراقب سوقا واحدة من أسواق مدينة الرياض. فما عليها إلا أن تجمع قواها وتراقب أسعار السلع الضرورية فقط التي يعبث بها المنتجون، والموزعون، وتجار الجملة والتجزئة والمؤسسات الفردية البسيطة حتى أصحاب البسطات على الأرصفة. وللحديث بقية.