أين أنظمة الإفلاس؟!
تعاني البيئة الاقتصادية في المملكة، والتي كانت أهم أولويات الإصلاح الاقتصادي الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين، معضلة كبيرة وخطيرة يجهلها أو يتجاهلها كثير من المشرعين الاقتصاديين في المؤسسات الحكومية، فرغم أن المملكة أطلقت برنامجا طموحا لتعزيز التنافسية عبر تحسين بيئة الأعمال ( 10*10)، وقطعت شوطا كبيرا في ذلك، إلا أننا حتى الساعة لم نسمع عن آلية محددة وقانون متكامل للإفلاس.
إن وجود قانون متكامل ومحدد المعالم للكيفية التي تستطيع بها الشركات الخاسرة حفظ حقوق ملاكها وحمايتها من الدائنين إلى جانب رعاية مصالح كل الأطراف ذات العلاقة بالشركة ليست مسألة ترفيه..أو حاجه مؤقتة، بل هي من أساسيات أي بيئة اقتصادية ناجحة..ولعل الظروف التي أنتجتها الأزمة المالية في أمريكا خير مثال، على أهمية وجود مثل هذا القانون ذو الإجراءات المحددة.. والسبل القانونية التي تمكن ملاك شركة أو مؤسسة الإعلان بكل بساطة أنهم حققوا خسائر فادحة ولم يعد بإمكانهم التعويض.
واجهت المملكة في الفترة الأخيرة قضايا مشابهة من خلال تعثر بعض الشركات العائلية.. وأزعم أن عدم توافر مثل هذا القانون صعب من مهمة إدارة خسائر تلك الشركات وسبل احتوائها..بل ورفع من مستوى الشائعات وزاد من فداحة المشكلة.
تقول ناتالي مارتن، أستاذة في القانون في جامعة نيو مكسيكو، عملت أخيرا كباحثة علمية مقيمة في معهد الإفلاس الأمريكي» لا ينظر إلى الفشل في الأعمال في الولايات المتحدة نظرة سلبية، وذلك خلافا لما يحصل في عديد من الدول الأخرى. وفي الحقيقة فإن قوانين الإفلاس الأمريكية مبنية على أساس تشجيع الأشخاص الذين يفشلون في العمل على مواصلة جهودهم المتعلقة بالمشاريع التجارية الخاصة».
ويضيف باحث آخر» «إذا فشل عمل في الولايات المتحدة فإن بوسع الفرد أن يمضي في حياته دون أن يعيش في عار أو في فقر تام.. والقدرة على البدء من جديد هي ما يجعل بعض الأمريكيين مستعدين للمجازفة في العمل، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد ككل».
وبما أن العمل التجاري في المملكة يعتمد على الاقتراض للقيام بأعمال تجارية ضخمة، كما هو الحال في الولايات المتحدة فإن تطبيق قوانين إفلاس واضحة ومرنة تحمي جميع الأطراف، هو دعم للنشاط التجاري والاقتصادي ولنمو الأعمال الصغيرة من خلال التشجيع على القيام بمجازفات في الأعمال.
ومن هنا يمكنني المبالغة والقول إن افتقار بيئتنا المحلية إلى قانون إفلاس يعني أن المجازفة الاقتصادية غير مرغوب فيها ..وإن حدثت وانتهت بخسارة فإن نتائجها لا تخرج عن واحدة من ثلاث (السجن أو الهرب أو الضياع...) وفي كل الحالات الخاسر الأول الاقتصاد الوطني.
وهنا أعود إلى مقال الباحثة مارتن والتي تقول فيه» فشل كثيرون من أكثر رجال الأعمال الأمريكيين نجاحا في جهود أعمالهم المبكرة، بمن فيهم ثري الكيتشاب جون هنري هاينز وهنري فورد رئيس شركة فورد للسيارات وفينياس بارنوم الذي أسس السيرك الأمريكي. وقد أصبح جميع هؤلاء الرجال في النهاية رجالا أثرياء جدا. ويعود ذلك جزئيا إلى أنهم منحوا الفرصة لمحاولة عمل جديد والفشل ثم البداية من جديد.
وتضيف» الأعمال الصغيرة في الولايات المتحدة هي القوة الدافعة للاقتصاد، حيث توظف عددا أكبر من الناس مما توظفه الشركات الضخمة المتعددة الجنسيات. ويدعم نظام التسليف ونظيره نظام الإفلاس بوضوح الأعمال الصغيرة والمشاريع التجارية الخاصة بقوة.