تقرير: الدَّين العام في العالم بعد «الأزمة» .. قنبلة اقتصادية موقوتة
لم يكن هناك أدنى شك في أن حكومات العالم ستعتمد على الاقتراض لتوفير الأموال اللازمة لتمويل برامج تحفيز الاقتصاد المختلفة التي أطلقتها مطلع العام الحالي لمواجهة تداعيات أسوأ أزمة يتعرض لها الاقتصاد العالمي منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين.
ولكن لم يكن المستثمرون يتصورون أن يتضخم الدين الحكومي إلى هذه الدرجة المثيرة للقلق، وبخاصة في دول باتت أوضاعها المالية في مهب الريح مثل اليونان وأيرلندا وأيسلندا وإسبانيا وحتى الولايات المتحدة وبريطانيا. يقول ديفيد ويليامز نائب رئيس مؤسسة «مواطنون ضد التبذير الحكومي» وهي منظمة غير حكومية أمريكية تراقب الإنفاق الحكومي حتى العام الماضي، وكان العجز في الميزانية الأمريكية نحو 400 مليار دولار ولكن الرقم قفز الآن إلى 1.4 تريليون دولار.
وفي الوقت الذي كان قلق المستثمرين يتزايد بشأن قدرة عديد من الحكومات الغربية على سداد ديونها الباهظة خرجت مجموعة دبي العالمية العملاقة لتعلن الشهر الماضي عجزها عن سداد أقساط الديون المستحقة عليها ومطالبتها البنوك الدائنة بتأجيل سداد هذه الأقساط التي تصل قيمتها إلى 59 مليار دولار لمدة ستة أشهر.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
لم يكن هناك أدنى شك في أن حكومات العالم ستعتمد على الاقتراض لتوفير الأموال اللازمة لتمويل برامج تحفيز الاقتصاد المختلفة التي أطلقتها مطلع العام الحالي لمواجهة تداعيات أسوأ أزمة يتعرض لها الاقتصاد العالمي منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الـ 20.
ولكن لم يكن المستثمرون يتصورون أن يتضخم الدين الحكومي إلى هذه الدرجة المثيرة للقلق وبخاصة في دول باتت أوضاعها المالية في مهب الريح مثل اليونان وأيرلندا وأيسلندا وإسبانيا وحتى الولايات المتحدة وبريطانيا.
يقول ديفيد ويليامز نائب رئيس مؤسسة «مواطنون ضد التبذير الحكومي» وهي منظمة غير حكومية أمريكية تراقب الإنفاق الحكومي حتى العام الماضي وكان العجز في الميزانية الأمريكية نحو 400 مليار دولار ولكن الرقم قفز الآن إلى 1.4 تريليون دولار.
وفي الوقت الذي كان قلق المستثمرين يتزايد بشأن قدرة عديد من الحكومات الغربية على سداد ديونها الباهظة خرجت مجموعة دبي العالمية العملاقة لتعلن الشهر الماضي عجزها عن سداد أقساط الديون المستحقة عليها ومطالبتها للبنوك الدائنة بتأجيل سداد هذه الأقساط التي تصل قيمتها إلى59 مليار دولار لمدة ستة أشهر. ورغم أنه من الناحية النظرية فإن تلك الديون هي ديون شركة وليست ديون حكومة إمارة دبي لكن الواقع يقول إن مالية حكومة دبي ومالية مجموعة دبي العالمية وهي الذراع الاستثمارية للحكومة متداخلة.
وأثار إعلان مجموعة دبي قلقا كبيرا في أسواق المال العالمية بسبب خوف المستثمرين من تطور الموقف إذا ما خرجت دولة أخرى تطلب تأجيل سداد أقساط ديونها أو تعلن عجزها عن سداد هذه الديون في سيناريو أسوأ.
يقول مارك أوستفالد المحلل الاقتصادي في مؤسسة مومينت سيكيوريتز للاستشارات المالية إن «أكثر ما يثير القلق في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو أن هذا المستوى من الاقتراض الحكومي لم يحدث إلا في أوقات الحرب».
وأضاف أن الأمر يبدو غير طبيعي بكل الصور. ويرى أن الأوضاع المالية لكل من بريطانيا والولايات المتحدة هي الأشد إثارة لقلق الدوائر المالية لأن الدولتين مازالتا تتمتعان بالاستقلال المالي. أما إذا واجهت إحدى دول منطقة اليورو مثلا شبح الإفلاس فإن باقي دول المنطقة سوف تتدخل لإنقاذها.
فمن مصلحة الدول الأوروبية الكبرى التدخل لمنع إفلاس أي دولة من دول المنطقة حتى لا يتهدد مشروع الوحدة الأوروبية ككل. في الوقت نفسه فإن بعض الدول التي تعاني عجزا متزايدا في ميزانيتها مازالت تقول إن الأمور تحت السيطرة. وقال أوليفر ويلان مدير إدارة التمويل والديون في وكالة إدارة الخزانة الوطنية في أيرلندا لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إنه رغم ارتفاع نسبة القروض لتمثل ما بين 15 و16 في المائة من إجمالي موارد الحكومة العام المقبل فإنه يتوقع استقرار الدين العام بحلول 2012 .
ولكن بريطانيا التي لم تنضم إلى منطقة اليورو شهدت قفزة كبيرة في دينها العام من 695.1 مليار جنيه استرليني (1.14 تريليون دولار) عام 2008 إلى
829.7 مليار جنيه استرليني العام الحالي. بالمثل فإنه من المتوقع ارتفاع الدين العام من نحو عشرة تريليونات دولار عام 2008 إلى 12.9 تريليون دولار خلال العام الحالي.
ورغم ذلك فإن قلة قليلة هي التي تتوقع انهيارا ماليا لكل من بريطانيا والولايات المتحدة على غرار الانهيار المتوقع لدول أخرى مثل اليونان. فالقوى الاقتصادية الأخرى في العالم لن تستفيد من انهيار قوة اقتصادية مثل الولايات المتحدة لأن هذه القوى تدين الولايات المتحدة بديون باهظة ومن مصلحتها الحفاظ على قدر من الاستقرار المالي لواشنطن من أجل الحفاظ على قيمة ديونها.
ومع ذلك فالمشكلة ستستمر. يقول أوستفالد إن التخلص من عبء هذه الديون الضخمة سيستغرق وقتا طويلا. وأضاف «ويجب أن نشعر بالقلق بشأن هذا الموقف لأن هناك خطرا كبيرا آخر يتمثل في أنه إذا لم يتم تقديم خطط موثوق بها لكبح جماح عجز الموازنة فسيظهر خطر خفض التصنيف الائتماني لهذه الدول».
وفي حالة خفض التنصيف الائتماني لتلك القوى الكبرى فإنها ستضطر لدفع سعر فائدة أعلى للحصول على القروض التي تحتاج إليها من السوق الدولية. وفي هذه الحالة سينتقل سعر الفائدة المرتفع إلى باقي أجزاء الاقتصاد وفقا لنظرية الأواني المستطرقة وهو ما يهدد عملية التعافي الهش التي تشهدها الاقتصادات الغربية. وفي ألمانيا قال راينر هولتس أنجيل مدير رابطة دافعي الضرائب الألمان «لا أعتقد أن قطاعا كبيرا من الناس يدرك ما ينتظره في المستقبل». وأضاف أنه رغم عدم التناسب بين إيرادات الحكومة وإنفاقها فإن الاقتصاد الألماني سيتعامل مع عاصفة الديون بصورة جيدة لأن أغلبية الأحزاب السياسية في ألمانيا متفقة على ضرورة كبح جماح موازنة عام 2011 . ويتفق أوستفالد مع هولتس أنجيل فيقول إن الاقتصاد الألماني يعتمد بدرجة أساسية على التصدير وأن أغلبية الدول المستوردة تتمتع بوضع مالي جيد. ولكن أوستفالد يحذر من أن الصورة الإيجابية قد لا تستمر طويلا بالنسبة لألمانيا في ظل زحف الأزمات على دول مجاورة مثل أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وصربيا.
ويضيف أن المشكلة تكمن في أنه إذا سحبت الحكومات برامجها الإنفاقية الضخمة فإنها ستوجه ضربة قوية إلى الاقتصادات التي باتت تعتمد بدرجة كبيرة على الإنفاق الحكومي. وفي الوقت نفسه فإن استمرار الإنفاق الحكومي بالوتيرة نفسها ينطوي على مخاطر ولذلك يجب الوصول إلى نقطة تضمن التوزيع العادل لعبء إخراج الاقتصاد من أزمته.