رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دور المكاتب الهندسية المعتمدة في كوارث المناطق السكنية

ونحن في غمرة الحزن والتحرك في كل اتجاه حول آثار فاجعة جدة وما يجب أن يتم لتقوم بعده «جدة الجديدة»، كانت هناك تساؤلات حول دور المكاتب الهندسية أو الاستشارية المعتمدة ومخططات البناء في المنطقة المنكوبة من شرق جدة وجنوبها بالطبع هذه المكاتب رخصت بعد أن استوفت كامل الاشتراطات للتصنيف، ومن حيث ماهية ومستويات القوى العاملة المتخصصة والتنظيم الهيكلي الإداري وغير ذلك. ولكن بعد الاطلاع على بعض أدلة وإجراءات تراخيص المباني والفسوحات وبالتأمل في بنودها بدأ استغرابي في كيفية استخراج رخصة دون أن يكون معد المخطط، وقد يكون المشرف أيضا مهندس مؤهلا علميا ومتمتعا بجميع أخلاقيات المهنة شأنه شأن الممارس الصحي. في دليل تدقيق المخططات الهندسية للمباني السكنية والتجارية، وفي فقرة ملخص إجراءات الحصول على ترخيص البناء ذكر الشرط الثالث كالتالي: المخططات الابتدائية معتمدة من مكتب هندسي أو استشاري. كما ذكر في الرابع: المخططات النهائية معتمدة من مكتب هندسي أو استشاري. الآن إذا كان المهندس لا يعرف أن الموقع هو مسار لشعب مائي أو فرع من وادي وأن المنطقة تحتاج إلى تأنٍ في إسكانها لخطورتها على السكان قبل المباني، فكيف يعد المخطط للمبنى في هذا الموقع وبهذه المواصفات؟ هل هذا من مسؤولية المقاول أم الأمانة أم المكاتب الهندسية؟
أما في فقرة مراجعة التصاميم الإنشائية، فإن هناك فقرة وردت كالتالي: دراسة اتزان المنشأة تحت تأثير الأحمال الحية والميتة والرياح والزلازل وغيرها. إن آخر كلمة هنا هي ما يمكن أن نضع تحتها الخطوط كلها، حيث إننا نتساءل: هل الأمطار والسيول من غير الأحمال، لم تدرج. وقصد بـ «غيرها» شيئا آخر لا يعرف إلى الآن ما هو؟ ثم هل سيتم عمل دراسات موسعة لجميع المباني التي تضررت من جراء السيول، ويقاس مدى اختلاف التأثير بين المباني، وتحدد نسبة خطأ المكتب من خطأ المقاول أو مراقب البلدية أو الأمانة نفسها؟. من الاشتراطات أيضا ورد: «مراجعة توافر وتدقيق حسابات إنشاء الخزانات السفلية والعلوية وخزان الصرف الصحي (البيّارة)». هذه الفقرة طالما أنها باقية فمشكلة الصرف الصحي باقية. وتعني أن البيارات ستظل أساسا، وشبكة الصرف الصحي أمر ثانوي. وإذا كان ذلك على مستوى المملكة فإن استمرار نقل صهاريج مياه الصرف الصحي لمحتوى البيارة إلى «مثيلات بحيرة المسك» في مختلف مدن المملكة يستدعي تصحيحا سريعا وشاملا، وتعميم شبكات الصرف الصحي على مستوى المملكة. والانتهاء منها مع انتهاء الخطة الخمسية المقبلة على أكثر تقدير. وأخيرا توجد في الدليل الكثير من الاصطلاحات والعبارات التي تعني للمهندس والفني والمتخصص الكثير، ولكن كيف يمكن أن نجعلها تعني لصاحب العين أو الأرض شيئا مهما فتجعله يحيط بكل ما يود أن يعرفه قبل بناء المسكن أو تشييد مشروع استثماري، فنوقف أي اتهام للناس بـ «العشوائية»؟
أعتقد أن خطة الهيئة السعودية للمهندسين ستركز بعد هذه الفاجعة، على المكاتب الهندسية من حيث التصنيف والتأمين على المسؤولية المهنية، خصوصا بعد أن انتهت من إعدادها مع وزارتي المالية، والتجارة والصناعة؛ حيث صدر بذلك قرار مجلس الوزراء الموقر بداية هذا العام (1430هـ). من ناحية أخرى قد تنشغل الهيئة في الفصل بين مسؤوليات المهندس أو المصمم أو المشرف والمقاول، لتنظيم وإصلاح أعمال هذه المكاتب على مستوى المملكة. أعتقد أيضا أن الهيئة ستتدخل في عمل العقود بين المكتب والمواطن بالتعاون مع الأمانات، حيث تصبح موحدة أو تتبع نموذجا معياريا معينا لضمان حقوق الأطراف والاطمئنان على إطلاع الجميع على مسؤولية كل منهم. أما من ناحية إصدار نشرات توعوية حيال التصميم والإشراف على التنفيذ وغير ذلك من إجراءات فسيكون ذلك من صميم أعمالها بلا شك. وللتنويه فالتطوير الإلكتروني لجميع الأعمال الهندسية أو حتى الاتصالات بين الجهات المسؤولة مهم جدا لتتاح في النهاية قواعد بيانات واضحة ومحدّثة يعتمد عليها المواطن عند اختيار أفضل المناطق السكنية أو مناطق المشاريع الاستثمارية المختلفة. نحن الآن أمام تنامي أعداد المكاتب الهندسية والاستشارية من (100 مكتب) قبل 30 عاما إلى أكثر من (2000 مكتب) الآن، على مستوى المملكة. وقد تنمو لأكثر من ذلك بكثير، ولكن نريد بالزيادة، تصحيحا وإصلاحا وإتقانا ومهنية عالية.
كلمة أخيرة.. في جولة سريعة على أنحاء من المدينة، وجدت أبناء جدة وبناتها خلال قيامهم بالأعمال التطوعية منتشرين في أرجائها كافة، كل منهم يقوم بعمله في تسلسل إداري منظم مع إخوة لهم/ لهن مساندين بذلك رجال الدفاع المدني ومنسوبي الأمانة والمرور وغيرهم من جمعيات ومؤسسات مختلفة في مسؤوليات عدة تجاه المتضررين. يعملون بكل جد ويبذلون دون مجاهرة، ويتناوبون العمل بدقة وانضباط ويحَملون أنفسهم أي خطأ أو زلة يقعون فيها. لقد كانوا يحرصون على أنهم في مواقعهم، للمعونة والإنقاذ، ورفع المضرة وشد الأزر وطمأنة الناس، ولا شيء غير. لقد كانت هذه صوراً تمنيت لو أن التلفزيون السعودي كثف من نقلها للتأريخ والتدليل على أن أبناء هذا الوطن الكريم، سواعد تأبى إلا أن تعيد النور للمساكن المظلمة والحركة للشوارع المقفرة، والحياة الكريمة لأهالي هذه المدينة المتضررة، فتثبت عمليا معنى الوطنية والمسؤولية الاجتماعية. ليس لي إلا أن أدعو لهم فأقول: بوركتم وبورك مسعاكم، وجوزيتم خيرا شباب الوطن وشاباته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي