لتمض الوحدة النقدية على غرار الأوروبية
رغم أن كل الدوائر السياسية والاقتصادية بل وحتى الشعبية منها تتمنى عودة الإمارات وانضمام عمان للوحدة النقدية الخليجية، ورغم أننا في المملكة وبقية دول الخليج ووفقا لكل التصريحات الرسمية سنكون أكثر سعادة وتفاؤلا بتلك الوحدة في حال اتفقت كل دول الخليج على مسارات ومقررات وحدتهم النقدية، إلا أننا أيضا نؤكد أن بقاء الإخوة الإماراتيين والعمانيين خارج الاتحاد في المرحلة الراهنة ليس مضرا.. بل ويمكن القول إنه لا يشكل أي عائق مهم.
نطرح هذا التصور ليس تقليلا من أهمية الإمارات أو عمان في مسيرة الوحدة، فهما ركنين أساسيين لخيمة عمادها 6 أركان متوازنة، ولكننا نقول ذلك لنعزز الأمل ونحث بقية دول الخليج الأخرى على الاستمرار في الجهود المبذولة لتحقيق اتحاد اقتصادي خليجي قوي يواكب وينافس أكبر الكيانات الاقتصادية في العالم من الهند والصين شرقا إلى أمريكا وأوروبا غربا.
إن المتتبع لمسيرة أهم وأكبر اتحاد نقدي في العالم وهو الاتحاد الأوروبي والذي يضم في عضويته نحو 27 دولة لا تتشابه مع بعضها في مكوناتها الثقافية والاقتصادية والسياسية كما هو حال دول الخليج اليوم، يرى أننا نسير بسرعة أكبر وعوائق أقل.. بل إن القول إن العملة الخليجية سترى النور خلال خمس سنوات يعتبر إنجازا لا يقارعه إنجاز.. كما يمكننا التأكيد على أن الحديث عن عشر سنوات إضافية لتحقيق تلك الوحدة بكامل مقوماتها هو أيضا إنجاز.
ولعلنا هنا نذكر البعض بأن هذا الاتحاد الذي لم ير النور إلا في سنة 1992 بعد معاهدة ماسترخت، رغم أن أفكاره انطلقت منذ الخمسينيات، كما أن هذا الاتحاد كون سوقا موحدة ذي عملة واحدة هي اليورو ولكن المستخدمين لتلك العملة لم يتجاوز عددهم حتى اليوم 13 دولة من أصل الـ 27 الأعضاء، رغم أنهم اتفقوا على سياسات زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة، ولغة اقتصادية مشتركة والآن رئيس واحد ووزير خارجية واحد...
وللتذكير فقد تكررت المحاولات في تاريخ القارة الأوروبية لتوحيد أمم أوروبا عشرات المرات، فمنذ انهيار الإمبراطورية الرومانية، مروراً بإمبراطورية شارلمان الفرنكية ثم الإمبراطورية الرومانية، تلاها محاولات لتوحيد أوروبا، منها محاولة نابليون في القرن التاسع عشر، والأخرى في أربعينيات القرن العشرين على يد هتلر، وهما تجربتان لم تتمكنا من الاستمرار إلا لفترات قصيرة وانتقالية..
وبعد كوارث الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ازدادت بشدّة ضرورات تأسيس ما عرف فيما بعد باسم الاتحاد الأوروبي، مدفوعا بالرغبة في إعادة بناء أوروبا ومن أجل القضاء على احتمال وقوع حرب شاملة أخرى. أدى هذا الشعور في النهاية إلى تشكيل جمعية الفحم والفولاذ الأوروبية عام 1951 على يد كل من ألمانيا (الغربية)، فرنسا، إيطاليا ودول بينيلوكس benelux (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ). أول وحدة جمركية عرفت بالأصل باسم المؤسسة الاقتصادية الأوروبيةEuropean Economic Community، هذا التغيير اللاحق للمؤسسة الأوروبية يشكل العماد الأول للاتحاد الأوروبي، إذ تطور الاتحاد الأوروبي من جسم للتبادل التجاري إلى شراكة اقتصادية وسياسية، فيما نقوم نحن بالعكس عندما بدأنا بالسياسة وانتهينا بالاقتصاد وهذا رائع.
ما أريد قوله إننا أمام ظروف أقل حدة مما واجه الاتحاد الأوروبي، وأمام فرص أوسع مما كان متاحا لدى الأوروبيين .. لذلك فإن انتظار الإخوة أو انسحاب بعضهم ظاهرة صحية لم نبتدعها وعلينا أن نتعامل معها باحترافية، وألا نجعل منها مشكلا يعطل بقية مظاهرة الوحدة والتعاون بين دول الخليج.