رفاهية المواطن .. «التنموية الثامنة» وأهداف الألفية
تفصلنا أيام قليلة عن اكتمال تنفيذ الخطة الخمسية الثامنة (2005 – 2009م)، وسيواصل الاقتصاد السعودي، بعون الله تعالى، المضي قدما في تنفيذ الخطة الخمسية التاسعة (2010 – 2014م). تحمل هذه المرحلة الانتقالية في طياتها محطات توقف مهمة تستدعي الوقوف والنظر بعين التقييم لنتائج المرحلة الماضية، وبعين التقويم لأهداف المرحلة المقبلة.
تتسم الخطة الخمسية الثامنة (2005 – 2009م) بسمة محلية وأخرى دولية. أما السمة المحلية فهي تعد المرحلة الأولى من أصل أربع مراحل متتالية تهدف إلى بلوغ رؤية الاقتصاد السعودي في 2025. وأما السمة الثانية فهي، أي الخطة الخمسية الثامنة (2005 – 2009م)، تعد المرحلة الأولى من أصل مرحلتين متتاليتين تهدف إلى تحقيق “الأهداف الإنمائية للألفية”. وهذه الأهداف عبارة عن تعهد سعودي لمنظمة الأمم المتحدة بالإسهام في مكافحة الفقر في دول العالم من خلال الالتزام بتحقيق مجموعة من الأهداف الكمية بحلول عام 2015.
ولما تحمله الخطة الخمسية الثامنة (2005 – 2009م) من هاتين السمتين المحلية والدولية من أهمية في العمل بشكل متواز نحو تحقيق أهداف محلية وأخرى دولية، فإنه من الأهمية بمكان مراجعة الإنجازات بهدف زيادة التعرف على تحديات العملية التنموية السعودية وجدوى آليات مواجهتها.
أعلنت الأمم المتحدة مطلع العقد الحالي مجموعة من الأهداف المراد تحقيقها من قبل جميع الدول الأعضاء في المنظمة بحلول عام 2015. أطلق على هذه الأهداف اسم “الأهداف الإنمائية للألفية”. أسندت مهمة مراقبة ورصد التنفيذ إلى هيئة مستحدثة سميت هيئة رصد الأهداف الإنمائية للألفية. دأبت هيئة الرصد على إصدار إحصاءات ومؤشرات دورية حول جهود الدول الأعضاء في تحقيق “الأهداف الإنمائية للألفية” بحلول عام 2015.
ضمت “الأهداف الإنمائية للألفية” ثمانية أهداف إنمائية رئيسة، و21 هدفا إنمائيا ثانويا، وقرابة 60 مؤشرا معياريا لقياس مدى التقدم أو التراجع في تحقيق هذه الأهداف الإنمائية. الهدف الرئيس الأول “القضاء على الفقر المدقع والجوع”. أدرجت ثلاثة أهداف ثانوية تحت هذا الهدف. الأول خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار أمريكي واحد للفرد إلى النصف. والثاني التوفير الكامل لفرص العمل اللائقة والمنتجة لجميع السكان. والثالث خفض نسبة السكان الذين يعانون الجوع إلى النصف.
والهدف الرئيس الثاني “تعميم التعليم الابتدائي”. ويقصد بهذا الهدف ضمان قدرة الأطفال على إتمام التعليم الابتدائي. وضع لهذا الهدف ثلاثة معايير قياسية. الأول معدل تسجيل الأطفال في مرحلة التعليم الابتدائي. والثاني معدل الأطفال الذين أتموا السنة الدراسية الأخيرة من مرحلة التعليم الابتدائي. والثالث معدل الإلمام بالقراءة والكتابة للشباب بين سن 15 و24 سنة.
والهدف الرئيس الثالث “تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من أسباب القوة”. ويقصد بهذا الهدف إزالة التفاوت بين الجنسين في جميع مراحل التعليم. والهدف الرئيس الرابع “تخفيض معدل وفيات الأطفال”. ويقصد بهذا الهدف تخفيض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من خلال توفير التغذية المناسبة والرعاية الصحية والعلاج الطبي الأساسي. والهدف الرئيس الخامس “تحسين صحة الأمهات”. اندرج هدفان ثانويان تحت هذا الهدف. الأول تخفيض معدل وفيات الأمهات بنسبة ثلاثة أرباع. والثاني توفير الرعاية الصحية اللازمة أثناء الحمل والولادة لجميع الأمهات.
والهدف الرئيس السادس “مكافحة فيروس ومرض الإيدز والملاريا والأمراض الرئيسة الأخرى”. اندرجت ثلاثة أهداف ثانوية تحت هذا الهدف. الأول وقف انتشار فيروس ومرض الإيدز. والثاني توفير علاج فيروس ومرض الإيدز لكل من يحتاج إليه. والثالث وقف انتشار الملاريا وغيرها من الأمراض الرئيسة. والهدف الرئيس السابع “كفالة الاستدامة البيئية”. وضع لهذا الهدف أربعة معايير قياسية. الأول معدل السكان الحاصلين على مياه صالحة للشرب ومرافق الصرف الصحي الأساسية. والثاني معدل نمو أراضي الغابات إلى إجمالي الأراضي. والثالث صافي الدخل القومي الموجه نحو المحافظة على البيئة. والرابع نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
والهدف الرئيس الثامن “إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية”. وضع لهذا الهدف ثلاثة معايير قياسية الأول معدل صافي إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية إلى إجمالي الدخل القومي للدول الغنية. والثاني المؤشر العام لقيود الواردات إلى قيود الصادرات. والثالث مؤشر تحمل أعباء الدين العام في الموازنة العامة للدول الفقيرة.
تميزت الخطة الخمسية الثامنة (2005 – 2009م) بتجسيدها في بعض أبعادها التوافق والشراكة ما بين الجهدين المحلي والدولي من أجل تحقيق السلام، والأمن، والتنمية في إطار “الأهداف الإنمائية للألفية”.
حيث يتضح من خلال مشاهدة نتائج الخطة الخمسية الثامنة (2005 – 2009م) أنها أتسمت بسمتين رئيستين. السمة الأولى النتائج الاستباقية. ونقصد بهذا المصطلح مساهمة الاقتصاد السعودي في تحقيق “الأهداف الإنمائية للألفية” في وقت قياسي قبل جدولها الزمني المستهدف. والسمة الثانية دمج “الأهداف الإنمائية للألفية” ضمن أهداف الخطة الخمسية الثامنة، وإحداث النقلة المطلوبة في التأكيد على جعل الأهداف التنموية للألفية جزءاً من الخطاب التنموي، والسياسات المرحلية وبعيدة المدى المعتمدة للاقتصاد السعودي.
يتضح من خلال الاطلاع على تقرير هيئة رصد الأهداف الإنمائية للألفية عن واقع العملية التنموية السعودية مجموعة من الإحصاءات لبعض الأهداف التنموية. حيث أوضح التقرير تحسنا ملموسا في الأهداف ذات الأبعاد الاقتصادية، والتعليمية. وضمت الأهداف ذات الأبعاد الصحية معلومات غير شاملة لجميع المعايير القياسية المعتمدة, مما جعل من عرضها أمرا قد يكون غير مقبول من الناحية المنطقية.
وعلى الرغم من ذلك إلا أننا أمام حقيقة من الأهمية بمكان التوكيد عليها وشحذ الهمم نحو تذليل تحدياتها. فالمرض والجهل والفقر ثلاثة تحديات جسام أثبتت عبر مر التاريخ أنها متى ما اجتمعت شكلت ثالوثا صلبا كفيلا بمقاومة أي عملية إنمائية طموحة, ناهيك عن إنهائها. ثالوث ذو أبعاد ثلاثة: صحي (المرض)، وتعليمي (الجهل)، واقتصادي (الفقر). والعمليات الإنمائية الناجحة هي فقط التي تولي خططها وآليات تنفيذها ثقلا متوازيا بين هذه التحديات الثلاثة وأبعادها.