رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مخاطر معايير الاستثمارات الزراعية السعودية الخارجية الفضفاضة

ملخص ما خلصت إليه مما كتب عن كارثة سيول جدة أن نمو جدة وتوسعها عمرانيا سواء من ناحية البنية التحتية للمدينة أو من ناحية مواقع الأحياء ومكوناتها لم يكن وفق معايير دقيقة وسليمة وصارمة, بل إن التنمية والنمو تما بشكل شبه عشوائي لعب الفساد الإداري والمالي المقرون بالإهمال والتقاعس عن أداء المسؤوليات وعدم المساءلة عبر خط الزمن فيه دورا كبيرا، وها نحن اليوم نريد إعادة تشكيل المدينة من جديد بتكاليف كبيرة, فضلا عن تكاليف الخسائر والتعويضات لمنع وقوع مثل هذه الكارثة مستقبلا, التي كان من الممكن أن تكون أكبر من ذلك لولا لطف الله.
غياب المعايير المرجعية الدقيقة والواضحة لإعداد الخطط أو لاتخاذ القرارات بمستوياتها كافة يشكل بيئة خصبة صالحة لاستشراء الفساد والإهمال والتقاعس وضياع المسؤوليات، وهذه قاعدة إدارية معروفة تنطبق على جميع المنظمات الحكومية والخاصة وغير الربحية التي تعمل دون معايير، وهو ما يجعلني أدعو إلى وضع معايير علمية دقيقة معلنة تصاغ على أساسها الخطط وتتخذ على أساسها القرارات في أي مجال تنموي كان للمنظمات كافة.
أقول هذا بعد أن اطلعت على كلمة وزير التجارة والصناعة التي ألقاها في ''ورشة العمل حول التجارب والفرص والتحديات في الاستثمار الزراعي الخارجي'', التي نظمتها لجنة الأمن الغذائي في الغرفة التجارية والصناعية في الرياض يوم الأحد الماضي, التي عدد فيها أسس إنجاح مبادرة الملك للاستثمار الزراعي في الخارج. وأود هنا أن أركز على الأساس الأول الذي ذكره معاليه وهو '' التوجه إلى الاستثمار الزراعي في الدول ذات الإمكانات الزراعية الجيدة والأنظمة الاستثمارية الجاذبة مع الأخذ في الاعتبار القرب المكاني حتى لا يؤثر ذلك في تكاليف النقل''. وحسب فهمي فإن هذا الأساس معني بمعايير تحديد موقع الاستثمارات الزراعية, وإذا كان الأمر كذلك فإن هذه المعايير معايير فضفاضة لا يمكن أن تشكل مرجعية علمية, وهو ما يجعلنا لا نشعر بالأمان تجاه مستقبل الأمن الغذائي في بلادنا بتاتا, إذ إننا نبني على مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي الخارجي التي انطلقت إبان تضخم أسعار المواد الغذائية, آمالا كبيرة لتوفير المنتجات الغذائية الرئيسة بشكل مستدام وبأسعار متناولة، نعم هذه معايير ستجعل المبادرة تؤول إلى ما آلت إليه مدينة جدة عندما جاءها سيل الأمطار, فغياب المعايير الدقيقة والواضحة والصارمة للاستثمارات الزراعية الخارجية في إطار المبادرة سيجعلنا لا نكشف أي اختراقات لها من قبل من لا يخلو أي مجتمع منهم مثل غنامي الفرص والدخلاء وأصحاب الذمم الواسعة لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة قبل استفحالها, ما يجعل الاستثمارات الزراعية في إطار المبادرة تغرق بسهول نتيجة أي سيول إدارية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية أو حتى مناخية في الدول المضيفة. ''إمكانات زراعية جيدة وأنظمة استثمارية جاذبة، وقرب مكاني لتخفيض تكاليف النقل'' لا تشكل بالنسبة لي أو إلى المستثمر الذي يرغب في الاستثمار في إطار المبادرة أو للراصد لتطورات المبادرة معايير واضحة يمكن على أساسها تقييم الاستثمارات الزراعية السعودية الخارجية التي يمكن أن تكون في إطار المبادرة من عدمه, والمطلوب أكثر من ذلك بكثير, وحسبما عرضته إحدى الشركات التي تستثمر زراعيا خارج البلاد في هذه الورشة, هناك معايير كثيرة وكلها ذات أثر حاسم في مدى نجاح الاستثمارات أو فشلها ولا يمكن التقليل من شأن أثر أي منها, وبكل تأكيد فإن القرب أو البعد ليسا أحد هذه المعايير الأكثر أهمية وإلا لما وصل نفطنا إلى أمريكا ولما وصلت المنتجات الأمريكية والأسترالية إلى أسواقنا بأسعار متناولة.
الغذاء منتج أساسي للحياة, وتوفير الغذاء الصحي بشكل مستدام وبأسعار معقولة قضية أمنية شديدة الخطورة لا يمكن أن تترك لاجتهادات فردية ولتحركات وفق معايير فضفاضة, بل يتطلب العمل الجماعي وفق منهجية علمية مدروسة ودقيقة ومعلنة تقوم على المشورة وتبادل الخبرات وتدارس التجارب الناجح منها والفاشل والتعاضد وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة واستحضار الروح الوطنية, فضلا عن استحضار الخوف من الله الذي من المفترض أن يكون ديدن كل مسلم يظن أنه سيقف مسؤولا أمامه يوم القيامة.
خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- استحق لقب ملك القلوب عن جدارة لأنه ملكها بحبه للناس وحرصه على مصالحهم وتوفير جميع متطلبات تحقيق سبل العيش الكريم لهم ولحثه المسؤولين على العمل الجاد والمتواصل بأمانة عالية لخدمة المواطن وتحقيق الأهداف التنموية في الأوقات المستهدفة والمعلنة، ونحن مواطنوه عيون له وعقول تعمل في خدمته ولا بد لنا أن نشير إلى ما نخشى منه، ولا شك أن العمل بهذه الطريقة غير الواضحة في تنفيذ المبادرة يجعلنا نشعر بالقلق وعدم الأمان ولن يزول هذا القلق ما لم يتم الإعلان عن المعايير الدقيقة والواضحة للاستثمار الزراعي الخارجي في إطار المبادرة وتبرير الخطوات التي اتخذت وفق هذه المعايير.
كلي آمل وثقة بأن تعلن قريبا معايير دقيقة للاستثمارات الزراعية السعودية الخارجية في إطار المبادرة والخطة الاستراتيجية لتنفيذ المبادرة بمساراتها الرئيسة المتمثلة في تعزيز الإنتاج الزراعي السعودي خارجيا وتكوين مخزون غذائي قادر على امتصاص الأزمات المتوقعة والمفاجئة وتكوين شراكات إقليمية قائمة على تحقيق المصالح المشتركة، ومن ثم تُبرر أي خطوة متخذة أو ستتخذ في أي من هذه المسارات بالرجوع إلى المعايير المعتمدة والمعلنة لنتجنب مخاطر المعايير الفضفاضة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي