رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


دبي وأبو ظبي.. ما كان من الأول!

في كثير من الحالات التي يكون فيها المرء متحمساً لوطنه وأمته، نجد أنفسنا في حالة دفاع مستميت حيال وجهات نظر الغرب ومؤسساته العامة والخاصة في شؤون حياتنا كافة بالذات فيما يخص الشأن الاقتصادي لدول الخليج. وكانت إحدى الحالات التي أتذكرها هي قضية التقييمات السيادية لدول الخليج من قبل شركات التصنيف العالمية، التي كانت تضع عناصر معينة في آلية التقييم تؤدي في الغالب إلى خفض هذه التقييمات، وبشكل صريح المخاطر السياسية! حتى أن إحدى وكالات التصنيف العالمية تلك، لا تزال ترفض حتى اليوم إعطاء تصنيف لدولة خليجية معينة نتيجة عنصر معين يؤثر - من وجهة نظرها - في استقرارها، وفقدان مستوى محدد من الشفافية! وأذكر أني دخلت في نقاش مع تلك الوكالة عن تلك الحالة تحديداً، وحاولت إظهار أن هذا ليس دقيقاً, وقد يكون نظرة تشاؤمية أكثر من اللازم تجاه تلك الدولة, حتى إن لم أكن على علاقة مباشرة بتلك الدولة! وكان هذا الحديث في عام 2007.
اليوم وبعد مرور الأزمة المالية العالمية، (تسونامي المشتقات المالية المهيكلة)، والضرر الذي أصاب اقتصادات العالم برمتها وبدرجات متفاوتة من الضرر، وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي, الذي كان السبب المباشر في تلك الأزمة وأكثر المتضررين منها. وكذلك بعد إعلان حكومة دبي وفي إجازة عيد الأضحى المبارك عن طلب تأجيل ديون مستحقة أو ستستحق في 14 كانون الأول (ديسمبر) على شركة نخيل بنحو 4.1 مليار دولار ما سبب إرباكاً كبيراً للأسواق الخليجية والعالمية بمجرد صدور الخبر. هذا الإعلان سلط الأضواء على وضع الإمارات الاقتصادي بشكل عام ودبي بشكل خاص والديون المتراكمة عليهما التي تتجاوز 80 مليار دولار، حيث - كما ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي - إن نسبة الديون المحلية فقط في الإمارات تجاوزت 127 في المائة من الناتج المحلي للدولة! رغم أن موضوع التمويل في دبي تحديدا، كان معروفاً لدى المتخصصين وكانت هناك تقارير كثيرة تحدثت عن الموضوع وأن هناك مخاطر عالية في هذا الخصوص على الأقل منذ عام 2007! بل إن هناك تقارير كانت تتوقع أن تنفجر الفقاعة عام 2007، وكان لتوقيت الإعلان من قبل حكومة دبي خلال إجازة العيد، دور سلبي في ردة الفعل السلبية، وكذلك تضارب التصريحات من قبل المسؤولين في حكومة دبي وأبو ظبي, خصوصا حول أن حكومة دبي لا تضمن تلك القروض وهي قروض تجارية بحتة. هذا (الانسحاب) أثار بلبلة لم تنته ولن تنتهي في القريب العاجل حول وضع دول الخليج ومصداقية التعامل الاقتصادي, وبالذات في شأن التمويل الدولي لتلك المنطقة!
ثم فاجأتنا حكومة أبو ظبي يوم الإثنين بدفع عشرة مليارات دولار لصندوق الدعم في حكومة دبي وتخصيص 4.1 مليار دولار لسداد الديون المستحقة على شركة نخيل في 14 كانون الأول (ديسمبر) الحالي. وأقول فاجأتنا لأن التصريحات المباشرة بعد إعلان حكومة دبي طلب تأجيل الدفعات، والقادمة من أبو ظبي كانت تقول إنها هي من يقرر متى وكيف ستتدخل في تلك الأزمة؟! وفي تصوري أن هناك سوء إدارة في التعامل الرسمي مع قضايانا الاقتصادية خليجياً. حيث كنا، على الأقل على المستوى الشخصي، نتمنى أن تمثل الأزمة المالية العالمية فرصة لنا خليجياً, وهي كانت كذلك، ولكن لم يتم استغلالها إيجابياً! بل على العكس، ويبدو أن المسؤولين الخليجيين يقولون لنا إن الموت مع الجماعة “العالمية” رحمة لنا! صدقوني أن هذا التضارب مضر بسمعة الخليج الاقتصادية، ومضر بشعوب الخليج ومستقبل المهنيين فيه من الشباب, مضر بإمكانية استقطاب الكفاءات البشرية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية!
مستقبل الخليج الاقتصادي تحديداً مربوط بعامل رئيس واحد، وهو أن تبتعد الحكومات الخليجية عن السيطرة الكاملة على تلك الاقتصادات، وتبقي الدور الإشرافي والرقابي القوي لأن الاقتصاد العالمي يقرأها على أنها اقتصادات عائلية غير ناضجة بما فيه الكفاية للثقة بها. كما يجب أن تبقي اقتصادات الخليج بعيدة عن الشد والجذب الداخلي والصراعات المحلية التي هي في النهاية، ومهما حاولنا التقليل من شأنها، تبقي عاملاً مهماً وحاسماً لمستقبل الخليج والتكامل الخليجي. كما أن ذلك كان واضحاً من تصريحات المسؤولين البريطانيين تحديدا عن الطلب بتدخل واضح من قبل حكومات الخليج لأنهم يعرفون أن القرار في يد تلك الحكومات!
طموحات الشعوب الخليجية اليوم وبروز شريحة لها رؤية ومتطلبات لا يمكن إغفالها، والتكامل الاقتصادي الدولي، وبروز الدور الكبير لمنظمات العمل الدولية الذي يتوقع أن يكبر بشكل واضح خلال الأعوام القليلة المقبلة، والتهديدات الإقليمية على مستوى أمن الخليج والأطماع في المنطقة، كلها تحديات تتطلب منا تقوية البيت الخليجي وأنظمته السياسية مؤسساتياً، بدلا من الفردية والرؤى الخاصة! والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي