رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


البيئة وصراع الكبار

عقد في كوبنهاجن خلال الأسبوع الماضي قمة البيئة في العالم, وقد حضر هذه القمة رؤساء, وزعماء كثير من دول العالم بهدف الوصول إلى اتفاقية تحد من انبعاث الغازات الصناعية التي أضرت بالبيئة ودمرتها, وذلك بفعل التنافس الحاد بين الدول الصناعية في الإنتاج المبالغ فيه بهدف السيطرة على الأسواق العالمية, ما يجعل هذا الإنتاج يتنافى مع قانون التوازن البيئي الذي لو تمت مراعاته لما حدث هذا التلوث, ولما ارتفعت درجات حرارة الكون, التي تهدد بذوبان الجليد في القطب الجنوبي, الذي بدأ بالفعل في الذوبان، وهذا يزيد من منسوب مياه البحر الذي بدوره يهدد باختفاء كثير من الجزر مثل جزر المالديف, التي يبلغ أعلى ارتفاع لجزرها عن سطح البحر 240 سنتيمترا, أما أقل ارتفاع فيبلغ مترا واحدا فقط.
ترى لماذا يحدث ما يحدث في العالم؟ الإجابة عن هذا السؤال تستوجب الإحاطة بمجموعة من الأمور منها السياسي, والاقتصادي, والعلمي. كما تابعنا في الأخبار الخلافات بين الدول الكبرى كـ: الصين، أمريكا, روسيا, ودول أوروبا في هذا الموضوع قائمة, حيث إن كل بلد يوجه الملامة إلى البلد الآخر في التسبب في هذه المشكلة البيئية العالمية، التي يطول أثرها كثيرا من الناس بغض النظر عن أماكن وجودهم أو سكناهم, حتى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان مترددًا في حضور قمة المناخ حتى حسم أمره وحضر, وذلك تفاديا للإحراج أمام العالم من أن أمريكا هي السبب في التلوث البيئي, وفي ارتفاع درجة حرارة الأرض, وهي السبب في إعاقة الوصول إلى اتفاق يحمي البيئة العالمية, بل إن بعض أعضاء الكونجرس الجمهوريين يعارضون حضور أوباما المؤتمر, ومثل هذا اللغط السياسي الداخلي في أمريكا, أو الخارجي مع الصين على سبيل المثال سببه نزعة الهيمنة والتسلط التي تدفع الأطراف كافة إلى فرض رؤاهم وأجنداتهم السياسية على دول وشعوب العالم, حتى إن كانت هذه الرؤى مضرة بل مدمرة. الرغبة في فرض النفوذ, وربط دول العالم بمركز واحد يدور الجميع في فلكه فلسفة سياسية يعبر عنها بعالم القطب الواحد التي استمتعت الولايات المتحدة بمزاولتها خلال السنوات التي تبعت سقوط الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي.
السياسة والاقتصاد توأمان يخدم أحدهما الآخر, فالسياسة وألاعيبها, وحيلها وخداعها تسوق المسوغات والمبررات للاستمرار في إنتاج السلع مهما كانت هذه السلع مضرة، أو مهما كانت عملية إنتاجها مضرة، كما هو الحال في الانبعاثات الصناعية التي أصبحت تدمر الغطاء النباتي, وتزيد نسبة التصحر, وتذيب الجليد في القطبين, كما أن قوة الاقتصاد تزيد من عزيمة السياسي, وتمكنه من طرح رؤاه وأفكاره السياسية بقوة, وهذا ما لاحظناه في السابق حين كانت الولايات المتحدة قوية اقتصاديا, إذ فرضت سياستها بقوة الاقتصاد المدني والعسكري منه، ولا تزال تمارس هذا الدور. كما أن الصين في الوقت الراهن أصبح لها تأثير في الساحة العالمية, وصار لها دورها في توجيه السياسات الدولية والعلاقات بين الأمم, وذلك بفعل اقتصادها القوي والنامي بسرعة. ومع أن السياسة والاقتصاد هما العاملان الرئيسيان على الساحة الدولية إلا أنهما مرتبطان بفلسفة المجتمع وثقافته, كما أنهما يمثلان نتيجة حتمية للمستوى المعرفي الذي يتمتع به البلد. لا يمكن للسياسة أن تحدث أثرها دون نظرية سياسية أو نظريات تشكل عقول القادة، وتوجههم نحو غاية أو غايات محددة, كما أن مراكز البحوث وما تقوم به من دراسات وأبحاث وتحليل لكل الظروف والمتغيرات, تشكل أساسا لا يمكن إغفاله. كما هو معلوم فإن مراكز البحوث في الجامعات الأمريكية مثل جامعة جورج واشنطن وجورج تاون, تمثل مصادر المعرفة التي ترسم الاستراتيجيات السياسية في كثير من المجالات, ما يمكن القادة من رسم تحركاتهم وفق نتائج البحوث والدراسات . العلوم لها فلسفتها, ويفترض أن كل عالم ومتخصص في مجال من المجالات يدرك الفلسفة التي ينطلق منها تخصصه, فالفلسفة في العلم هي بمثابة الموجه الذي يرسم الطريق للعلم بنظرياته, وتطبيقاته حتى لا يفقد العالم البوصلة ويضل الطريق, وهذا ما أعتقد أنه يمثل الواقع, حيث إن كثيرا من العلوم, وتحت تأثير نشوة البروز والرغبة في تحقيق المكاسب المعنوية والمادية, خلقت كثيرا من المعارف, وأصبحت تبحث في قضايا ربما يلمس الإنسان أثرها المدمر كما في العلوم العسكرية التي أصبحت نتائجها تمثل عبئا ثقيلا على العالم, كما هو الحال في الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل التي يرغب العالم في التخلص منها, لكنه لا يتمكن من ذلك, وربما لن يتمكن نظرا لأنه مقيد بفلسفات اجتماعية, ورغبات فردية ومصالح فئوية تحد من تحقيق هذا الهدف, ولعل أبرز مثال على ذلك محادثات خفض الأسلحة النووية بين أمريكا وروسيا، التي تتقدم خطوة وتتأخر خطوات.
العلماء في مختبراتهم ومراكز أبحاثهم يقع عليهم دور كبير في توجيه المعرفة الإنسانية لتكون في مصلحة الإنسانية جمعاء, وفي مصلحة البيئة, وأي كائن حي آخر, وهذا لن يتأتى ما لم توجد فلسفة راشدة توجه العلماء والساسة والمثقفين والمفكرين في العالم بدلا من فلاسفة يبشرون بصراع الحضارات ونهاية التاريخ. ويصدق في واقع حال العالم المتردي قوله تعالى «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون», وهذا حق في أن ما تعانيه البشرية من تلوث وصراعات وحروب ما هو إلا بسبب الممارسات الخاطئة التي لم تكن لتحدث لولا غياب فلسفة راشدة توجه الجميع كلا في موقعه, وحسب دوره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي