رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الجامعة التقنية أصبحت ضرورة ملحة

خلال السنوات القليلة الماضية قامت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بجهود حثيثة وجهد كبير تضاعف بموجبه عدد الكليات التقنية في المملكة عدة مرات بحيث وصل عددها الآن إلى 45 كلية تغطي مختلف مناطق المملكة. هذا التوسع الكبير يظهر قناعة راسخة بوجود احتياج حقيقي لمخرجات تلك الكليات, وأنها ستكون قادرة على تزويد سوق العمل بحاجته من الكفاءات الفنية المدربة, وبالتالي المساهمة بفاعلية في زيادة مشاركة العمالة المواطنة في سوق العمل. والسؤال الملح الآن: هل استطاعت الكليات التقنية لعب هذا الدور وهل تحقق أي من هذا الطموح؟ الواقع يشير إلى أن ما تحقق محدود جداً ولا يرقى مطلقاً إلى الحد الأدنى من الطموحات والآمال الموضوعة.
فالكليات التقنية في نظر خريجي الثانوية العامة ملجأ أخير لمن لم يتمكن من الحصول على قبول في الجامعات بسبب تدني معدله في الثانوية العامة، الأمر الذي ترتب عليه تدن شديد في مستوى مدخلات هذه الكليات بصورة اضطرت الكليات لتخفيض مستويات التعليم والتدريب المقدمة فيها لتتناسب مع مستوى هذه المدخلات ما أضعف مستوى تأهيل مخرجات هذه الكليات بصورة جعلتها شبه مرفوضة في سوق العمل وحد بالتالي من فرص العمل المتاحة لها وأعاق قيام هذه الكليات بلعب أي دور مهم في سوق العمل لتزويده بالكفاءات الفنية المدربة. هذه المشكلة تزداد تفاقماً الآن، فمع النمو الكبير في أعداد الجامعات وفي الطاقة الاستيعابية للتعليم الجامعي فقد توسعت فرص القبول لخريجي الثانوية العامة في الجامعات بشكل هائل، ما حد من عدد الطلاب الذي يرغبون في التوجه للكليات التقنية وقلل مستوى المتقدمين بشكل واضح عاماً بعد آخر، ما يعني ترديا مستمرا في مستوى مدخلات هذه الكليات وبالتالي الكفاءة النوعية لمخرجاتها.
معضلة أخرى تواجهها الكليات التقنية أنها تعاني تدنيا واضحا في كفاءة قطاع واسع من أعضاء هيئتها التعليمية والتدريبية نتيجة تراكمات عقود عدة من عدم الاهتمام باختيار الكفاءات المناسبة للعمل في حقل التعليم والتدريب في الكليات التقنية، ساعد عليه النظرة السلبية للكليات التقنية والتعليم الفني بشكل عام الذي تسبب في إحجام عديد من المؤهلين عن الالتحاق بها، ما جعل الكليات التقنية مضطرة إلى قبول عناصر في هيئتها التعليمية والتدريبية قد لا تكون مؤهلة ولا قادرة على أداء مثل هذه المهام بكفاءة. هذه المشكلة أيضا في تفاقم، فبسبب النمو الكبير في التعليم العالي والحاجة إلى توظيف أعضاء هيئة التدريس فيها فقد انتقل العشرات ممن يحملون درجة الدكتوراة من مختلف الكليات التقنية إلى الجامعات، وقد شجعهم على ذلك ما اعتبروه ضررا كبيرا لحق بهم نتيجة حرمانهم من الخضوع لسلم أعضاء هيئة التدريس الجامعي الجديد وإجبارهم على الخضوع لسلم التوظيف الجديد لمؤسسة التدريب التقني والمهني. لذا نجد في حالات كثيرة أن هناك من يكلف بأعمال تدريسية وتدريبية في هذه الكليات وهو لا يحمل حتى درجة البكالوريوس، وهي مشكلة كانت قائمة أصلا وازدادت تفاقماً بعد مغادرة العشرات من منسوبي الكليات التقنية من حملة الدكتوراة إلى الجامعات، الأمر الذي يعني تراجعاً إضافياً في مستوى هذه الكليات ونوعية مخرجاتها بصورة تحد كثيراً من فرص قبولها في سوق العمل.
من ثم فإن أهم معضلتين متفاقمتين تواجهان الكليات التقنية حالياً هما رداءة المدخلات وتدني كفاءة هيئتها التعليمية والتدريبية، وفي ظل الأهمية القصوى لقيام هذه الكليات بدورها المفترض فإنه يلزم الوصول عاجلاً إلى مخرج مناسب يزيد إقبال خريجي الثانوية العامة على هذه الكليات ويرفع كفاءة وتأهيل هيئاتها التعليمية والتدريبية، ما يضمن تحقيق تحسن سريع في مخرجاتها بصورة تجعلها ليس فقط مقبولة في سوق العمل بل حتى يُسعى إلى استقطابها، وبالتالي تنجح هذه الكليات في تحقيق الغرض من إنشائها. والحل الوحيد الذي يضمن تحقق كل ذلك هو ضم هذه الكليات إلى وزارة التعليم العالي من خلال إنشاء جامعة تقنية تحتويها جميعا أو من خلال إنشاء عدد من الجامعات التقنية الإقليمية، والنقلة النوعية الهائلة التي حققتها كليات البنات والتغير الجذري في نظرة المجتمع لها بعد ضمها لوزارة التعليم العالي وتحويلها إلى جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن مثال حي لما يمكن أن تحققه الكليات التقنية من هذا الضم الذي آمل ألا يتأخر, فوضعها ملح جدا ولا يحتمل التأجيل مطلقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي