الحوار الوطني الصحي .. حوار مع الحوار
لا شك أن نشر ثقافة الحوار مهم جدا لتفهم الرأي الآخر. ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني منارة مشرقة ومشرفة لنشر ثقافة الحوار. والجهود التي يقوم بها المركز لنشر ثقافة الحوار جلية لكل متابع للشأن المحلي. قد يبدو نشر ثقافة الحوار ليس بالمهمة العسيرة من الناحية النظرية لكنه عمليا يتطلب جهودا ووقتا لأن تغيير السلوك والمواقف أصعب كثير جدا من تغيير النظم والقوانين.
لكن محاور الحوار يجب أن يبدأ من تحديد الشريحة المدعوة للحوار والتأكد من تنوعها. بعد ذلك يتم تحديد الجوانب الأخرى للحوار وخصوصا الجوانب الفنية كمحاور الحوار والتي يجب أن تكون متكاملة قد الإمكان من أجل ضمان شمولية الحوار. من هنا تأتي أهمية المشرف على الحوار والذي يجب عليه التأكد من أن محاور الحوار شمولية حتى لا يطغى محور على محاور أخرى لا تقل أهمية عنه.
ومن منطق حرص المركز على نشر ثقافة الحوار فإن القائمين على المركز هم أول من يشجع على الحوار ولدى القائمين على المركز الأريحية لتقبل الرأي الآخر. فهم النموذج والقدوة الذي من خلاله نفهم ثقافة الحوار. ولعل المحور الصحي والذي طرحه المركز للحوار لا يشك أحد في أهميته خصوصا أن الهم الصحي من هموم المواطن الأساسية. وقد سبق أن دعوت في مقال سابق نشر على صفحات جريدة ''الاقتصادية'' في آذار (مارس) 2007 إلى حوار وطني حول الصحة والتأمين الصحي على أن يكون المريض هو المحور الذي تدور حوله كل التوصيات لكني استبشرت بالحوار لكني لم أستبشر بالتوصيات، لأن المريض لم يكن محور تلك التوصيات. لذا فلعلي في هذا المقال أن أتحاور مع الحوار الوطني الصحي والذي انطلق من المنطقة الشرقية من خلال بعض النقاط ولعلي أتناول النقاط الأخرى في مقالات لاحقة.
فأولا: افتقدت بعض أطروحات الحوار الوطني التحضيري الأخير للعلمية والخلط في تقديم المعومات. فمثلا تم الاستدلال بضعف الميزانية الحكومية المخصصة للصحة بأنها لا تزيد على 3 في المائة. ولعل المسؤولين عن الصحة هم أول من ينكر هذا الرقم لأننا يجب أن نميز بين ميزانية وزارة الصحة والميزانية المخصصة للصحة, لأن الميزانية المخصصة للصحة ليست فقط ميزانية وزارة الصحة. فالجهات الحكومية الأخرى تشكل 20 في المائة من مجمل الخدمات الخدمات الصحية المقدمة. فالصرف على الصحة يشكل 9.17 في المائة من مجمل المصروفات الحكومية عام 2007 حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية المنشورة في آذار (مارس) الماضي. لكن يجب التمييز بين مجمل ما يصرف على الصحة من الميزانية وبين نصيب الصحة من مجمل الناتج المحلي. كما يجب التمييز بين ما يصرف على الصحة وما تصرفه الحكومة على الصحة. لذا أتمنى أن يكون الطرح في الحوار عبر حقائق علمية لا توقعات شخصية حتى يؤتي الحوار ثماره المرجوة. لذا أتمنى أن تمحص الأرقام قبل عرضها من قبل المختصين في التمويل الصحي لمراجعة تلك الأرقام والتأكد من مصداقيتها.
كما يعاب على التوصيات أن نظرتها على الخدمات الصحية عبر المستشفيات؟ وكأن وزارة الصحة وزارة لإدارة المستشفيات. وكأن ضعف الجانب الصحي محصور في المستشفيات. كما يعاب على التوصيات أنها اقتصرت نظرتها للجودة الصحية داخل أروقة المستشفيات دون النظر للجودة الصحية بمفهومها الكلي. ولعلي أفصل الحديث حول هذه الموضوع في مقال لاحق. لكن لعلي اكتفي بذكر توصية تتعلق بكيفية رفع الجودة عبر دعم الأطباء الاستشاريين السعوديين ممن هم على وشك التقاعد أو المتقاعدين بمنحهم أراضي أو قروضاً ميسرة من أجل إقامة مشاريع صحية عليها لمن يرغب ذلك منهم بهدف الإسهام في تحسين وتوسيع نطاق الخدمات الصحية. ولعلي أتساءل عن هدف هذه الدعوة هل هو كما هو منصوص عليه في التوصية بهدف تحسين مستوى الخدمات الصحية؟ وهل هذه الدعوة مبنية على مستندات علمية؟ لأن الدراسات العلمية لم تقر بأن جودة الخدمات الصحية تبدأ من أن يكون المالك طبيبا. كما أن الجودة الصحية ليست فقط بجودة الطبيب المشرف وإلا لتحسنت الجودة الصحية في مستشفيات وزارة الصحة خصوصا أن القائمين عليها من ذوي الكفاءات العالية. كما أنه يوجد عديد من المستشفيات الريادية على الصعيد المحلى أو الدولي والتي يقودها كفاءات متعددة المهارات والقائمة على العمل الجماعي.
إن رفع مستوى الجودة يبدأ بتحديد معايير الجودة والتي لا تزال تحتاج إلى تطوير وتقنين. لذا فباعتقادي إن التوصية كان يجب أن تعدل وتدعو إلى وضع معايير للجودة مع ضرورة الالتزام بها. فالمجلس المركزي لاعتماد جودة المنشآت الصحية يجب أن يكون له دور ريادي في تحديد معايير الجودة على غرار JCIA الأمريكية والتي حصلت عديد من المستشفيات الحكومية والخاصة على شهادة الجودة منها. ولعل اشتغال الدكتور محمد خشيم في العمل في وزارة الصحة أشغل الدكتور عن عمل المجلس.
فالمواطن يهدف إلى تلقي رعاية صحية ذات جودة عالية بعيدا عمن يملكها لكن ما ينبغي التأكيد عليه كيفية رفع مستوى جودة الخدمة في المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة. لذا فالدعوة كانت يجب أن توجه لرجال الأعمال القادرين على الاستثمار في المجال الصحي وإعطائهم تسهيلات إدارية ومادية لاستقطاب كفاءات عالية من أطباء أو ممرضين أو إخصائيين أو فنيين أو إداريين. كما أن على جميع مستشفيات القطاعين الحكومي والخاص الالتزام بمستوى يتم الاتفاق عليه عبر مجلس الخدمات الصحية.
ختاما: فإني أدعو إلى أن يكون الحوار حول الصحة شموليا لا مقتصرا على النظرة من داخل المستشفيات حتى يعود بالنفع المباشر لرفع مستوى الخدمات الصحية.