صحة الفرد وسلامته أولوية مطلقة في الطوارئ
في «فاجعة جدة» أو «كارثة جدة» عانى المسؤول والمستفيد من نتائجها. وللحق وقف الوطن كله خلف المشكلة كل بما أوتي من علم ودراية ومال وجهد فبذل وحاول أن يكون إيجابيا قدر الإمكان. هذه الوقفة يجب أن تثمن لأنها دلالة على اللحمة الوطنية التي قادها ولاة الأمر ـ يحفظهم الله ــ فجزاهم الله خير الجزاء. وشكرا لكم أيها العاملون (سلفاً) على ما تبذلونه فأجركم أجران ــ بإذن الله ــ الآن وقد بدأت اللجنة العليا عملها، نسأل الله لهم المعونة وهم يسرعون في تحديد المسؤولية وإيجاد الحلول العاجلة ورفع العناء والمضرة عمن تضرر. ثم تحاول باقي الجهات لوضع صورة جدة المستقبلية، إدارة وبناء وحركة وحياة عبر خطط تكفل بداية جديدة لمدينة هي غير كل المدن. ما أتمناه فعلا هو أن نبدأ جميعا في تركيز الجهود بالاستفادة من هذا الدرس القاسي ومحاولة إضاءة الطرق للمسؤولين والعاملين بدلا من توجيه الأنظار حول المتهم والمتجاوز والمخالف وغيرهم، فهذا شأن قد خصص له لجنة وهي أقدر منا على تحديد ذلك. في هذا السياق أشكر ما قامت به «الاقتصادية» في عددها الصادر يوم الإثنين الماضي. حيث تم تسليط الضوء على أوضاع مشابهة في مناطق المملكة الأخرى والرسالة كانت واضحة باتخاذ الحيطة من الآن فصاعدا لتصحيح الأوضاع لنكون أكثر يقظة فنكون أفضل وأقدر وأكثر فائدة للناس والوطن.
عموما بما أننا ما زلنا في وقت الحدث، وطالما أن الجهات المختصة لم تعلن الانتهاء من المطلوب عمله في هذه الكارثة من إخلاء الطرق من الركام وتنظيف المواقع المتضررة من المياه الراكدة والمخلفات... إلخ، فإن علينا أن نركز على مساندة المسؤولين إلى أهمية بعض الإجراءات في مثل هذا الوقت وبعد حدوث مثل هذه الكارثة. من وجهة نظر شخصية فإنه إذا ما انهار مبنى أو سقط جسر أو اندلع حريق أو فاض نهر أو بحر أو سالت كميات من الماء على هيئة سيول... إلخ، وتسبب ذلك في دمار وخسائر بشرية، فهي طوارئ تعني في المقام الأول أن هناك متضررين من البشر والكائنات الحية الأخرى إضافة إلى الخراب أو الدمار العمراني. لذلك فالحفاظ على سلامة البشر وصحتهم وإصحاحهم هو محور كل الشؤون من حولهم، وهو بلا شك مركز إدارة الحدث، لأنه في النهاية سلامة البشر وتمتعهم بحياة كريمة مرهونان بتمتعهم بالصحة والعافية.
في أعقاب الحدث نتساءل الآن هل هناك تقدير تقريبي لفترة البحث والإنقاذ والتنظيف والتطهير؟ ثم ما مدى صعوبة المقبل من الأحوال الجوية وكيف يمكن عدم تكرار ما سبق وحدث بعد عودة الحياة تدريجيا؟ وهل العودة للمواقع نفسها والمناطق ممكنة ومحمودة؟ ثم هل ما يبذل صحيا كاف لتغطية المطلوب من مراقبة وقائية وعمل مبذول كالتوعية والكشف والتحصين والتنويم ... إلخ؟. وكيف نضبط عمل المتطوعين في الشأن الصحي الحساس الذي لا يحتمل الاجتهاد؟ هذا يقود إلى اعتبار أن الصحة العامة لجميع قاطني ومرتادي محافظة جدة هي الشغل الشاغل لكل الجهات وتحقيقها لا يكون إلا بالتنسيق المتواصل ووضع خطط يومية لكل ما سيتم تنفيذه خلال الـ 24 ساعة المقبلة وخطط لأكثر من ذلك تكون أشمل. لذلك فتبادل المعلومات بين المرافق الصحية بشكل سريع ومتواصل، مع عمل نشرات يومية تبث أو تذاع أو ترسل للعامة باستخدام جميع الوسائل المتاحة إعلاميا، أو اتصالا أو نقلا ميكانيكيا. أما صحيا ففي مسألة التعامل مع الجثث، مع أنها لا تسبب للقريبين منها أو البعيدين مشكلات صحية تذكر ولكن لمن يقترب منها لانتشالها ونقلها وملامستها فإن عليه أن يهتم بأنه قد يكون معرضا لمخاطر صحية إذا لم يكن متبعا للإجراءات الكفيلة بحمايته. المياه الآن قد تكون مختلطة أو ملوثة بمياه الصرف في كثير من القنوات أو المجاري المائية بل قد تكون في كثير من المنازل وبالتالي لابد أن تصدر من قبل فرق الصحة العامة بمديرية الشؤون الصحية في جدة وفرق الأمانة تحذيرات مشابهة لتلك التي يبثها الدفاع المدني ولكن صحية وطبية متخصصة. أما من ناحية الأطفال فلأنهم عرضة لأي تغير جوي أو بيئي فيجب ألا ندع الحدث أو آثاره يكون سببا في حدوث أي إصابة مرضية لهم، أو حتى جرح أحدهم. فالجروح دون معالجة أو تطهير في هذه الظروف تتسبب في العدوى والأمراض. من ناحية بقائهم في الشقق المفروشة فيحتاج الأمر إلى متابعة صحية أيضا حتى لا تتفاقم مشكلات صحية تجعل الاهتمام موزعا بشكل مرهق فيما بعد. في هذه الحالة قد اقترح الإبقاء على منسوبي وزارة الصحة الذي انتدبوا للعمل في موسم حج هذا العام، ليباشروا العمل في جدة، لأنهم في هذه الظرف هم خيرة من يتعامل مع الطوارئ.
كلمة أخيرة.. لقد تمنى بعض المجتهدين لو أن الأمين أو الوكلاء أو حتى أحد رؤساء الأقسام في الوزارة أو الأمانة، يكون بين الناس «ناصبا الخيمة»، ليشعر المتضررون بأنه معهم قلبا وقالبا وهو بينهم يقوم بخدمتهم. في الواقع مع إنسانية هذه النوايا، إلا أن المسؤولية تقتضي أن نحافظ أولا على سلامة المنقِذ أو المسعِف أو القائم بخدمة من تضرر، ليتم إنقاذ أكبر عدد ممكن من المنكوبين ولا نتسبب في زيادة حجم الكارثة بأي حال من الأحوال. لذا آمل أن نفكر في مبدأ الأمن والسلامة للجميع، وأن نحرص على تماسكنا وتقنين أدائنا إلى النهاية حتى لا تنهار الجهود في أي جانب فنضاعف المصاب، لا قدر الله. وكان الله في عوننا جميعا.