بناء وانهيار القيمة: دورة العولمة ونظرية أزمات الاقتصاد
منذ وقت قصير مر العالم بلحظة توقفت فيها مسيرة الاندماج العالمي بسبب أزمة مالية لم يسبق لها مثيل منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. في كتابه السابق كان هارولد جيمس يناقش هشاشة عملية العولمة وإمكانية انعكاس اتجاهها في وقت ظن فيه كثيرون أنها عملية لا مناص منها.
ثم يأتي هذا الكتاب عن الأزمة الحالية وما جاءت به من قلق شديد، حيث نمر بوقت توجه فيه الاتهامات لعلماء الاقتصاد بأنهم نسوا التاريخ، ويحاول فيه المؤرخون أن يفسروا عمليات إنقاذ البنوك والاضطرابات التي سببتها. يقدم الكتاب خلفية عن التاريخ الاقتصادي والمالي ليقوم بتسليط الضوء على صلات لم يعترف بها في السابق.
تتسم الأزمات المالية بالغموض المقلق فيما يتعلق بقيمة الأصول والأموال وهو الأمر الذي يدفع الناس إلى اللجوء للتاريخ في محاولة لتفسير ما يجري من أمور. خلال الأزمة الحالية، دار الجدل حول ما يجب القيام به انطلاقا من أن ما نمر به هو تكرار لمرحلة الكساد الكبير، حيث كان يرأس البنك المركزي الأمريكي أحد الخبراء في هذه الفترة ويرأس أحدهم أيضا المجلس الأمريكي للمستشارين الاقتصاديين.
إلا أن الكتاب يوضح للقراء أن الناس كانت دائما تتحول إلى أحداث ماضية لتفسير الأزمات الحالية. ففي أعقاب أزمة عام 1929، انتشر الاهتمام المهووس بالأزمات السابقة، وهو ما قد يفسر الانتشار الكبير لاستخدام عبارة ''الجمعة السوداء'' (حيث حدث انهيار سوق الأوراق المالية في عام 1869 في يوم جمعة).
يؤكد مؤلف الكتاب أن الحدث الأكثر ارتباطا بالأزمة الراهنة قد يكون هو الانهيار الكبير للبنوك في النمسا وألمانيا عام 1931، ولهذه القصة رنين مألوف لدينا لأن الشكوك حول قيم الأصول كانت هي التي أدت إلى انهيار أحد البنوك الألمانية الكبرى ما أدى إلى صعوبات كبيرة عبر القطاع المصرفي بأكمله.
استجابت الحكومة بضخ مبالغ هائلة من الأموال العامة في البنوك وبإنشاء بنك للأصول التي لا يمكن تحديد سعرها. ومثلما يحدث حاليا كانت سياسة إنقاذ البنوك يكتنفها كثير من التعقيدات والجدل، ما أجبر السياسيين على اتخاذ قرارات خاصة بالاقتصاد الجزئي كان لها آثار هائلة وأتاحت فرصا كبيرة للمحسوبية. وهكذا غالبا ما تكون الأزمات الجديدة والمناقشات حول السياسات العامة لمواجهتها مشابهة لأزمات سابقة، وخصوصا بعد أن صار الكساد الكبير يتجاوز نطاق الولايات المتحدة.
ترتبط الأزمات المالية بإثارة الشكوك حول القيمة النقدية وغالبا ما تدفع الناس إلى إعادة النظر في القيم، في هذه اللحظة كل شيء يكون كل شيء قابلا للنقاش من أخلاقيات الديون إلى طبيعة الرأسمالية إلى استمرار هيمنة الدولار.