ردة الفعل لأزمة دبي .. هل هي مؤامرة؟
الأزمة التي مرت بها شركة دبي العالمية عندما أعلنت تأخير سداد التزاماتها إلى الدائنين التي بلغت ما قيمته 60 مليار دولار نشرت كثيرا من الذعر في الأسواق العالمية، حيث تراجعت الأسواق الآسيوية جميعها, خصوصا أسهم البنوك والمؤسسات المالية, خوفاً من تعرضها لديون شركة دبي العالمية التي تعد إحد كبرى الشركات العاملة في المنطقة. الأسواق الأوروبية هي الأخرى تراجعت بشكل حاد مسجلة معدلات انخفاض حادة حيث انخفض مؤشر الفوتسي بمعدل 1.5 في المائة إبان إعلان الخبر, والسبب في ذلك انكشاف عدد من البنوك الأوروبية والبريطانية بالتحديد على الإمارات, حيث تبلغ القروض الممنوحة في الإمارات من HSBC ما يقارب 16 مليار دولار، ومن ''ستاندارد شارترد'' قرابة 12 مليار دولار، و''باركليز'' قرابة 3.5 مليار دولار.
هذا الأمر جعل كثيرا من المحللين العرب في القنوات الاقتصادية العربية يستغربون من ردة الفعل المبالغ فيها ـ حسب رأيهم ـ للإعلام الغربي والأسواق المالية العالمية, ما جعل بعضهم يلمح إلى أن هناك نوعا من التآمر للتأثير في دبي والإمارات العربية وفي أسواقها وفي النهضة الاقتصادية فيها. وهذا نوع من السطحية في التفكير يدلل على عدم نضج في التعاطي مع أزمة من هذا النوع لم تتعودها الأسواق العربية، إذ من ناحية يشار إلى دبي بأنها وضعت نفسها علامة بارزة على خريطة الاقتصاد العالمي، ومن ناحية أخرى تستهجن ردة فعل أسواق العالم عندما تخرج أخبار سلبية عن اقتصادها .. إذاً لماذا كانت ردة فعل الأسواق العالمية قوية على خبر تأخير شركة دبي العالمية سداد التزاماتها للدائنين؟
عدة أسباب وراء ذلك منها ما يتعلق بالشفافية ومنها ما يتعلق بحجم الشركة وحجم ديونها. ففيما يتعلق بالشفافية، حاولت الشركة إخفاء الخبر ثم أعلنته، وبعد ذلك ألغت مؤتمراً هاتفياً مع الدائنين، وكل ذلك حدث خلال إجازتي عيد الأضحى المبارك وعيد الشكر في الولايات المتحدة، ما أثار كثيرا من التكهنات بأن المشكلة أكبر مما هي عليه وأثار عاصفة من ردات الفعل القوية في الأسواق العالمية. وكان هذا الأمر في أسوأ حالاته بالنسبة إلى البنوك المنكشفة بشكل كبير على الإمارات مثل بنك HSBC وتشارترد بنك اللذين انخفضت أسعارهما بشكل كبير في أنحاء العالم كافة.
الأمر الآخر يتعلق بطبيعة العلاقة بين شركة دبي العالمية وإمارة دبي نفسها، فلم يكن هناك وضوح بالنسبة إلى طبيعة العلاقة بينهما، فالشركة من ناحية مملوكة للإمارة، ومن ناحية أخرى هي شركة خاصة، فهل يعني إفلاسها إفلاس الإمارة لعدم قدرتها على تحمل تبعة ديون الشركة المملوكة لها؟ هذا الأمر يبدو لي كان أكثر الأمور تأثيراً وإثارة للتكهنات في الأسواق المالية، والمتابع للقنوات العالمية يلاحظ عدم فهم طبيعة العلاقة على الإطلاق، ومدى تأثير إفلاس الشركة في دبي، وهل سيعني ذلك سحب البساط من دبي لمصلحة أبو ظبي؟ وهل ستقف أبو ظبي مع دبي في إنقاذ الشركة وكأن الشركة هي دبي نفسها ودبي الإمارة هي الشركة؟
هذا الانعدام في الوضوح في طبيعة العلاقة بين العام والخاص هو ما أثر وهدد بتخفيض التصنيف السيادي للإمارات ككل, وسيستمر بالتأثير فيها في المستقبل إذا لم تتم معالجته بشكل واضح، فالفصل بين ما يملكه حاكم الإمارة وما تملكه الإمارة نفسها ضروري إذا ما أرادت إمارة دبي والإمارات كلها أن تحقق تقدما اقتصاديا وفقاً لمعايير عالمية لا وفقاً لمعايير محلية بحتة. وهو ما حدا بالشيخ محمد بن راشد إلى التوضيح بأن الإمارة لا علاقة لها بديون الشركة، وهي مسؤوليتها وحدها، كما أن تدخل الحكومة الفيدرالية جاء لحماية النظام المالي لا لحماية الشركة نفسها، ما عزز الثقة في أوساط المتعاملين بالأسواق العالمية.
أمر آخر عندما نعلمه لا نستغرب ردة فعل الأسواق والإعلام العالمي حول أزمة ديون دبي العالمية هو حجم هذه الديون, مقارنة بحجم إمارة دبي. الديون تقارب قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدبي الذي يقدر بـ 75 مليار دولار, كما أن ديون الإمارة نفسها تقدر بثلاثة أو أربعة أضعاف ناتجها المحلي الإجمالي، ما يعني أن أي عجز في السداد للشركة التي تملك الإمارة نسبة كبيرة منها سيؤثر بشكل كبير في قدرة الإمارة على سداد التزاماتها ومن ثم تخفيض تصنيفها الائتماني السيادي, وهو أمر يفهمه طالب المرحلة الأولى في تخصص التمويل فكيف يفوت على كبار محللي القنوات الاقتصادية العربية؟
إن شخصنة ردة فعل الأسواق العالمية والاقتصاد العالمي على أزمة دبي العالمية لا يخدم دبي نفسها التي تحاول أن تصنف نفسها على أنها ملتقى الشرق والغرب المالي والاقتصادي، وقد زاد من استغرابي في هذا الشأن تصريح الشيخ محمد بن راشد نفسه عندما قال (إنهم لا يفهمون شيئاً) وتمم حديثه بقوله (إن الشجرة المثمرة يرميها كل الناس بحجر أو بأي شيء في متناول أيديهم)، فلا أعتقد أن سعي المستثمرين للمحافظة على مراكزهم المالية أو تقليل خسائرهم يعد رمياً بالحجر لدبي، وكان من الأجدى أن تؤخذ ردة فعل العالم على أنها دليل على المكانة الاقتصادية التي تبوأتها دبي, ما جعل العالم كله يحسب لها ألف حساب.