رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جاهلية القرن الواحد والعشرين

إن أحداث الشغب التي صالت وجالت بين شعبي مصر والجزائر الأسابيع الماضية وتناقلها الإعلام من شرقه إلى غربه, أرقت مضاجع الغيورين وأخرجتهم من عزلتهم وأدمت قلوبهم حسرة على هذا الوضع المهين الذي وصلت إليه شعوبنا العربية وأمتنا الإسلامية من ضحالة التفكير وقلة الحيلة وضياع الهوية. إن ما حدث من شجار وخصام وهجران وتباغض بين قطبي العروبة والإسلام، الإخوة الأشقاء في مصر والجزائر، لتضع المواطن العربي المسلم حيران أسفا تتخبطه الأوهام وتهوى به الظنون.
بعضهم يتساءل هل بالفعل كرة القدم هي التي أوصلتنا إلى هذا الحضيض؟ أم أن هناك أسبابا أخرى وطرقا أدهى استثمرت الأحداث لزرع الشقاق وزيادة الهوة بين الإخوة؟ ولو افترضنا أن كرة القدم كانت السبب وراء هذه الفوضى وتلك الغوغائية فإنها لم تعد وسيلة حضارية وأداة للترفيه ورمزا للمحبة والألفة, بل تخطت ذلك فأصبحت ميدانا للتناحر ومسرحا للقتال وساحة حرب بين الشعوب ونذير شؤم.
ما المبرر لكل ما يجري من وراء هذه الأحداث؟ كيف وحدت هذه القضية في كلا البلدين العلماء والدهماء، الحكماء والبسطاء، الحكومة والمعارضة، الإعلام الرسمي وغير الرسمي؟ الجميع اجتمعوا على رأي رجل واحد وفي خندق واحد يتوهمون عدوا من جلدتهم يريد أن يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم. من يحرك هذه الجموع ويدير هذه الجاهلية حتى أصبحنا نرى المواطن العربي من الطرفين الذي انبرى عوده وانحنى ظهره من الجوع وتكاليف الحياة يزمجر ويتوعد بسحق أخيه في البلد الآخر إذا لم يحالف الحظ منتخبه بالفوز على أرض السودان. ويصل بنا العجب منتهاه إذا علمنا أن الفائز منهما سيخرج من المونديال في المرحلة الأولى، والعجب العجاب أن إسرائيل تلعب دور الوسيط وتطلب من الدولتين العربيتين التهدئة وضبط النفس.
هذا الشغب وهذه الغوغائية خلل كبير وانحراف مريب تعيدنا إلى حماقات حرب البسوس وداحس والغبراء التي استمرت عقودا لأسباب جاهلية شبيهة بأحداث مصر والجزائر. ونحن لا نلوم العرب في تلك الحقبة لأن شريعة الله لم تمس أرواحهم, ومشكاة النبوة لم تضئ ظلام نفوسهم ولم تخالج عواطفهم، أما عرب اليوم فقد عرفوا ما أنزل على محمد وعاشوا عصر العلم والنهضة والحضارة فلا يقبل منهم تصرف كهذا أبدا.
أرى أن الشعوب العربية قد ابتعدت كثيرا عن مصدر عزتها ورمز وحدتها فأصبحت ترى المجد في رموز وثقافات أسس قواعدها الاستعمار وجذرت أصولها دول عظمى وإمبراطوريات كبرى. كما أنها سئمت الكفاح ففضلت الهروب من قضاياها الجوهرية التي تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم فخرجت من يأسها تطارد السراب في ملاعب كرة القدم لتقنع نفسها ببطولات وهمية وانتصارات هامشية. نرى شعارات ترفع بعد فوز بعض المنتخبات وقد سطرت عليها الآية الكريمة ''قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا'' أي حق جاء وأي باطل زُهق؟ أفلا تعقلون؟ هذه الآية التي يرفعها أنصار كرة القدم تلالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما حطم الأصنام داخل الكعبة المشرفة يوم الفتح بعد عقود من الكفاح والدماء والتضحيات والشهداء, وأنتم ترفعونها عندما يفوز منتخبكم في مباراة كرة القدم .. ويلكم كيف تحكمون؟
ولا ندري قد تكون هناك يد تحاول إلهاء الشعوب العربية والإسلامية وإشغال الرأي العام العربي بسفاسف الأمور لتوجيه ضربة أو استغلال ثروة، ولا نريد أن نسهب كثيرا حول هذا حتى لا نتهم بترويجنا قضية المؤامرة الذي ينكرها كثيرون من العرب والمسلمين ويرون تبنيها تحريضا على كراهية الغرب الذين يبالغ في محبتنا وإكرامنا وتدليلنا.
أين هذه الغوغائية مما يحدث في القدس الشرقية من بناء 900 وحدة استيطانية، أم أن دخول مصر أو الجزائر مونديال 2010 أسمى من هذا وأعظم؟ أين هذه الغوغائية من الفقر الذي يدب في أوصال الشعوب العربية؟ فمعدل دخل المواطن العربي في بعض الدول أقل من عشرة دولارات في الشهر. أين هم من التلوث الذي وصل منتهاه حتى إن مياه المجارى دخلت منازل الفقراء، والجرذان تتغذى على أعضاء الأطفال. نشر تقرير مطلع هذا العام مفاده أن بعض المواطنين العرب يخشون على أطفالهم الجرذان التي تعيش بينهم وعندما لا تجد ما تأكله فإنها تسد رمقها بأعضاء الأطفال الغضة كأذنين ونحوهما. والوضع في بقية الدول الإسلامية ليس بأفضل حال فنصفهم مشردون مهجرون يعملون كالعبيد المسخرين في بلاد المشرق والمغرب.
أليس من الأولى أن تهتم الشعوب العربية بالفقر والتلوث وإكمال البنية التحتية وبناء الإنسان القادر على مواجهة الحياة بعقلية منطقية تحليلية يميز بين عدوه وصديقه بدلا من الهرج والمرج والسطحية في التفكير؟
وختاما أرى أننا إذا لم نستطع أن نهذب شعوبنا ونستثمر المحافل الدولية كي تعكس حضارتنا وإنجازاتنا وثقافتنا الإسلامية فمن الأفضل أن نبقى في الظل بعيدا عن الأحداث وألا نزج بسمعتنا ونعري مجتمعاتنا أمام شعوب الأرض المتحضرة والمتخلفة، ويكفي ما حدث, فالأمم لن تقول إن هذه مصر والجزائر, بل هؤلاء هم العرب والمسلمون انظروا ماذا يفعلون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي