إعادة جدولة ديون المؤسسات المالية الخليجية
تداولت الأوساط الخليجية الاقتصادية هذا الأسبوع التطورات المالية في إمارة دبي، المتمثلة في إعلانها بأنها ستطلب من دائني شركتي دبي العالمية ونخيل الموافقة على تأجيل سداد مليارات الدولارات من الديون كخطوة أولى لإعادة الهيكلة.
تطور مهم حدا بالبنك المركزي الإماراتي أن يعلن عن طرح تسهيل طارئ لتعزيز السيولة المصرفية في النظام المصرفي الإماراتي في أول رد على صعيد السياسة المالية على المخاوف بشأن ديون دبي، التي هددت حركة التمويل وإخراج الانتعاش الاقتصادي عن مساره.
تقودنا هذه التطورات إلى النظر بشكل خاص إلى نتائج النظام المصرفي الإماراتي، بشكل خاص، والنظام المصرفي الخليجي، بشكل عام، من منظور المتانة المالية في مواجهة تحديات السيولة والائتمان. تتزامن هذه النظرة مع قرب انتهاء العام المالي الحالي، وما تضمنه من تحديات مالية جسام واجهها النظام المالي الخليجي.
تنشط نتيجة لهذه التطورات مجموعة من التساؤلات حول تدني أرباح مصارف دول مجلس التعاون الخليجي أو خسائرها للسنة المالية الحالية. حاولت دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات عن طريق دراسة العوامل المؤثرة في الإعلان عن خسائر مخصص الائتمان في عقود المرابحة، والمشاركة والمضاربة لمصارف دول مجلس التعاون الخليجي. نشرت الدراسة قبل العام الحالي في مجلة ''الإدارة المالية'' Managerial Finance تحت عنوان ''اختبار تطبيقي لإعلانات خسائر مخصص الائتمان في مصارف دول مجلس التعاون الخليجي''.
هدفت الدراسة إلى تحقيق دور خمسة عوامل رئيسة في الإعلان عن خسائر مخصص الائتمان في القوائم المالية للمصارف التجارية: أرباح السنة المالية السابقة لسنة الإعلان عن خسائر مخصص الائتمان، ومستوى الاحتياطيات العامة، ومستوى الاحتياطيات النظامية، ومستوى المديونيات، ونسبة الديون والاستثمارات إلى نسبة خسائر مخصص الائتمان.
هناك ثلاثة أسباب دعمت اختيار هذه الدراسة عوضا عن غيرها من دراسات الإدارة المالية، بشكل عام، ودراسات الشفافية والإفصاح المحاسبية، بشكل خاص، كمنظور مشاهدة لواقع النتائج المالية لمصارف دول مجلس التعاون الخليجي عن السنة المالية الماضية.
السبب الأول، تواضع عدد دراسة الشفافية والإفصاح المحاسبية في دول مجلس التعاون الخليجي. والسبب الثاني، إعلانان مصارف دول مجلس التعاون الخليجي عن نتائجها المالية للسنة المالية الماضية، وما حملتها هذه الإعلانات من تباين بين نتائج متوقعة، وفوق المتوقعة، ودون المتوقعة. والسبب الثالث، تزامن إعلان النتائج المالية مع امتداد انعكاسات أزمة الرهن العقاري العالمية.
اعتمدت الدراسة على القوائم المالية الصادرة في التقارير السنوية لـ 47 مصرف خليجي للفترة من بداية 2002 إلى نهاية 2003. تباينت طبيعة عمليات هذه المصارف الـ 47 بين مصارف تعمل تحت ضوابط مصرفية شرعية، ومصارف تعمل تحت ضوابط مصرفية تقليدية.
وتباين كذلك التوزيع الجغرافي لهذه المصارف الـ47 بين مصارف بحرينية، سبعة مصارف من أصل تسعة مصارف، ومصارف كويتية، خمسة مصارف من أصل ثمانية مصارف، ومصارف عمانية، أربعة مصارف من أصل سبعة مصارف، ومصارف قطرية، ثلاثة مصارف من أصل أربعة مصارف، ومصارف سعودية، تسعة مصارف من أصل عشرة مصارف، ومصارف إماراتية، عشرة مصارف من أصل 18 مصرفا.
تشابهت هذه المصارف الـ 47 على الرغم من التباين في الضوابط و التوزيع الجغرافي في اتباعها المعايير المحاسبية الدولية كضابط محاسبي لجميع عملياتها المحاسبية والمالية.
اعتمدت التحاليل الإحصائية للدراسة على حساب مجموع خسائر مخصص الائتمان الواردة في التقارير السنوية للمصارف الـخليجية الـ 47. اتبعت عملية الحساب هذه بمعالجة مجموع خسائر مخصص الائتمان من وجهة نظر ستة عوامل رئيسة في هذا الجانب: صافي الدخل المتاح، والعلاقة بين مستوى الديون والاستثمارات إلى حقوق المودعين، ومستوى المخاطر الائتمانية، ودرجة التزام المصرف بمستويات الاحتياطيات العامة والنظامية، وطبيعة ضوابط العمل المصرفي (شرعية، تقليدية)، وآلية حساب مجموع الأصول.
من الأهمية بمكان قبيل ذكر نتائج الدراسة الأخذ في الحسبان التباين بين ضوابط عمل المصارف الخليجية في كل دولة خليجية، المحددة من قبل المصارف المركزية ومؤسسات النقد الخليجية، وانعكاسات هذا التباين على تنافسية عمل المصارف الخليجية في كل دولة خليجية على حدة.
من أهم هذه الضوابط حصة الاحتياطيات النظامية من صافي الأرباح السنوية. حيث تلزم المصارف المركزية في كل من: البحرين، الكويت، والإمارات مصارفها بتحول 10 في المائة من صافي أرباحها السنوية لدعم الاحتياطي النظامي حتى يساوى هذا الاحتياطي 50 في المائة من الاحتياطي النظامي.
بينما تتباين هذه الحصة في كل من: عمان، قطر، والسعودية. حيث يلزم البنك المركزي العماني مصارفه بتحويل 10 في المائة من صافي الأرباح السنوية لدعم الاحتياطي النظامي حتى يصل مستوى الاحتياطي النظامي إلى ثلث رأسمال المصرف.
وتزيد هذه النسبة لدى البنك القطري المركزي لتصل إلى 20 في المائة من صافي الأرباح السنوية لدعم الاحتياطي النظامي حتى يتساوى مستوى الاحتياطي النظامي مع رأسمال المصرف. وتلزم مؤسسة النقد العربي السعودي المصارف بتحويل 25 في المائة من صافي الأرباح السنوية لدعم الاحتياطي النظامي حتى يتساوى مستوى الاحتياطي النظامي مع رأسمال المصرف.
من أهم ضوابط عمل المصارف الخليجية أيضا ضريبة الدخل المفروضة على أرباح المصارف الخليجية. حيث تتميز المصارف الخليجية، باستثناء المصارف العمانية، بعدم خضوعها لضرائب دخل على صافي أرباحها. يستثنى من هذا التعميم صافي أرباح دخل المصارف الخليجية من عملياتها الدولية.
توصلت الدراسة إلى نتيجتين مفيدتين تشكلان في مجملهما إجابة شمولية عن التساؤلات حول تدني أرباح مصارف دول مجلس التعاون الخليجي أو خسائرها للسنة المالية الماضية.
النتيجة الأولى، تتجه إدارات المصارف الخليجية إلى زيادة مخصص خسائر الائتمان المحتمل تجنيبه خلال السنة المالية الحالية عندما تكون نسبة العائد على الأصول، قبل خصم مخصصات كل من الضرائب وخسائر الائتمان، أعلى من صافي العائد على الأصول للسنة المالية الماضية.
والنتيجة الثانية، تتجه إدارات المصارف الخليجية إلى تفعيل علاقة عكسية بين مستوى الديون والاستثمارات إلى حقوق المودعين، من جهة، ومخصص خسائر الائتمان المحتمل تجنيبه خلال السنة المالية الحالية، من جهة أخرى، بهدف استقطاب نسبة أكبر من حقوق المودعين.
تحمل هذه النتائج في طياتها عديدا من الفوائد حول طبيعة الإطار العملي الذي تعمل تحته المصارف الخليجية. يوضح هذا الإطار أن الطريق ما زال في بدايته بالنسبة للمصارف الخليجية في مقاومة الأزمات الخليجية.