هل يمكن اختبار مدى تفاعل الحجاج مع التطوير الشامل والمستمر؟

بدراسة سريعة لتوجه بعض الدول الغربية والمتقدمة، تجاه رغبات المسلمين من مواطنيها، للقيام بأداء مناسك الحج. فقد وجدت مفارقات عجيبة تستحق الدراسة والإمعان، إذا ما قورن ذلك بما وجدت وشاهدت من كثير من القادمين للحج من بعض الدول الإسلامية. وأكثر ما يلاحظ هو الاختلاف في الاستعداد للفريضة معلوماتيا وأسلوب أداء وسلوك يومي أثناء بقائهم لأدائهم الفريضة. إن هؤلاء المقبلين من الدول الغربية أو المتقدمة يجدون ما يمكنهم ويساعدهم على أداء الفريضة منذ الوهلة الأولى في التفكير في ذلك. فتجد أن لديهم خلفية كبيرة عن ماهية الحج، وأهمية هذه الفريضة في الإسلام، ودور السعودية في تسهيل أدائها، ثم ماهية السبل التي يجب عليهم اتباعها لأداء المناسك في تأدب واحترام وسِلْم. لقد وجدت أن في عديد من المرافق وعديد من المكاتب المتخصصة في خدمات الأفراد والمواطنين وبالطبع عن طريق كثير من المواقع الإلكترونية لوسائل إعلامية أو غيرها، ما يقدم للراغب في الحج ما يعيه مثل: أسرار هذا الركن، وكيف يمكن أداء النسك بشكل صحيح ومسالم، وشرح مفصل ولا يزيد على الصفحات الثلاث حول مفهوم اللباس الأبيض والوقت المحدد للبسه. ثم كيفية دخول الحرم وكيفية مواجهة الكعبة، وماذا تفعل وكيف وأين تقوم بذلك. وكيف تهتم بما يضايق الآخرين فلا تأتيه وتعنى بما يفضلونه فتقوم به. كذلك مفهوم الرمي، والحكمة من كثير من الإجراءات اليومية، على الحاج أن يتممها خلال أدائه الفريضة. إضافة إلى ذلك، أهمية اتباع الإرشادات، والمحافظة على الأدلة والخرائط، والاهتمام بحصر الخسائر بشكل عام في أقل ما يمكن، وبالتالي تقدير أهمية التخطيط المسبق والخطط البديلة أثناء الرحلة بكاملها.
كما وجدت أنهم يحاولون أن يعرفوا الفرد بعديد من المرافق الخدمية في المدن (مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة)، وأرقام الهواتف عند الطوارئ، إذا ما صادفتهم أي مواقف لم يكونوا مستعدين لها. لذلك تجد هذا الحاج، يتمتع بخلفية كبيرة عن رحلته الدينية، ويمكن أن يسعد بها ويستمتع إذا التزم بالاشتراطات، وانضبط في التحركات، وحافظ على الأوقات، في أداء الخطوات كافة. كما أنه يحرص على الخروج (كما كان حريصا على القدوم)، وقد أدى الفريضة من دون أن يتسبب في إحراج زملائه أو بعثته أو حتى بلده في أي تصرف لا يليق أو غير مقبول. هذه الميزة تجعلنا نهتم بما يقدم لضيوف الرحمن كل عام. فيُكونون انطباعا عنا، بعد أن قوبلوا بطيب الخلق، وحسن المعشر، إضافة إلى ما شاهدوه من عظم المشاريع ودقة التنظيم وتسهيل الحركة في كل الطرق والشوارع التي استخدموها لأداء الفريضة.
ما يؤسف له حقا، أن حجاجا من دول أخرى (مسلمة)، وبالرغم من بذل الجهود الكبيرة لهم قبل مجيئهم وبعد وصولهم، إلا أنهم يكونون تائهين ويحتاجون إلى من يقودهم ويرشدهم. أما إذا كان أحدهم أمياً، فالمعاناة أكثر مع بعثات الحج ومكاتب الطوافة المخصصة لاستضافته ونقله وتعريفه بالحقوق والواجبات وغيرها من الشؤون المختلفة. وبالتالي نجد أن عنصري الخدمة والوقت المخصصين لهؤلاء الحجاج يفوقان بمستويات كبيرة ما يسخر للمقبلين من الدول في المثال الأول. بالرجوع إلى الدراسات العلمية السابقة وجدت أن مشكلة مثل هذه تمت دراستها من قبل معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج منذ أكثر من ربع قرن، وأعتقد أنها أفادت في ذلك الوقت إلى وقت قريب وزارة الحج والوزارات المعنية الأخرى التي وصلت بنا اليوم لهذا المستوى الرفيع من تقديم الخدمة لضيوف الرحمن. ما يدعو للقلق هو استمرار وصول الحجاج بالنوعية نفسها كل عام من كثير من دول القارة الإفريقية أو الآسيوية مع أنهم يؤدون المناسك نفسها، وفي الوقت نفسه، وفي المواقع ذاتها طبعا، وتحت إشراف شبه كامل من مكتب الوكلاء الموحد، ومؤسسات الطوافة، والمؤسسة الأهلية للأدلاء. إضافة إلى ذلك غطت الدراسات جوانب عدة من أنماط المعيشة والحياة والسلوك الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لكثير من حجاج هذه الدول وخرجت بتعاريف وتوصيات مفيدة إلى حد كبير. السؤال هنا هو: هل هناك جهود ما زالت تحتاج إلى بذل أو تفعيل من جهتنا تمكننا من التأثير ميدانيا وعلى المستوى الشخصي بشكل أفضل (لهؤلاء الحجاج) لنحظى بأداء أفضل وأرقى لموسم الحج الذي لم ينقطع ولله الحمد لـ (1430) عاما؟
لقد لوحظ أن بعض الحجاج: (1) ضعيفو الثقافة العامة مما يؤثر في سلوكياتهم في أداء الفريضة. (2) قليلو العناية بممتلكاتهم الخاصة، (3) مهملون في صحة أبدانهم ونظافتهم الشخصية، (4) غير مدركين لأهمية اتباع تعليمات الأمن والسلامة، (5) كثير منهم يعانون آثارا نفسية تتضح من خلال انفعالاتهم خلال اليوم سواء داخل المخيم أو خارجه. هذا إضافة إلى عديد من العوامل التي قد تستدرج الباحث لتسليط الضوء عليها بمنهجية مختلفة تساعد على فهم ثقافة وسلوكيات الحجاج من أنحاء العالم كافة بعد عدة عقود من أول دراسة قامت بذلك. لهذا أعتقد أن تكرار بعض الدراسات لا بد أن يصبح واقعا، على أن يتم تحوير بعض الأهداف وتغيير منهجية البحث فيها وبالتالي يعاد النظر في طرق التحليل لجميع البيانات التي تحصر وترصد أثناء الموســـم. فمـــا يبذل لضيـــوف الرحمـــن وينشـــر ويبث في كل عام لهو الدلالة الأكيدة على الحرص على نقل المعرفة لدول العالم، في شأن بات يتحدث عنه كل قاص ودان. كما أنه يدل على أن الهدف نيل شرف الخدمة وأداء الأمانة التي حملها ابن هذا البلد الأمين في واحد من أسمى الأعمال الإنسانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي