وقفة مع تنمية المواطن السعودي
يعد إجمالي الناتج المحلي من المؤشرات الاقتصادية الأكثر شيوعا وشهرة في إعطاء صورة أكثر واقعية عن توقعات نمو المنظومة الاقتصادية. تعد آلية حساب إجمالي المصروفات الموجهة للحصول على المنتجات والخدمات المتاحة للتبادل التجاري الآلية الأكثر شيوعا لقياس إجمالي الناتج المحلي. حيث تعرف من المنظور الرياضي على أنها حاصل جمع كل من الاستهلاك، والاستثمارات الثابتة، واستثمار المخزون، والمشتريات الحكومية، والفرق بين مجموعي الصادرات والواردات.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة على الصعيدين لقياس إجمالي الناتج المحلي، إلا أن مثل هذه الآليات تواجه تحفظات اقتصادية حول كفاءتها. من أهم هذه التحفظات أنها تفترض أن الأفراد في الاقتصاد المحلي الواحد يتمتعون بمستوى دخل متساو. من أهمها أيضا أن آليات قياس الناتج المحلي لا تراعي استدامة عوامل النمو الاقتصادي. أدت هذه التحفظات وغيرها إلى توصية مجموعة من الاقتصاديين باستخدام مؤشرات إضافية مع مؤشر إجمالي الناتج المحلي لإعطاء صورة أكثر واقعية عن توقعات النمو الاقتصادي. من هذه المؤشرات الإضافية مؤشر التنمية البشرية.
يعد مؤشر التنمية البشرية من المعايير المطورة داخل أروقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهدف الخروج بأداة موضوعية لتقييم مستوى التنمية البشرية للدول الأعضاء في المنظمة. عديدة هي الفوائد عند النظر في مكونات مؤشر التنمية البشرية، وآلية قياسه، وأنواع تصنيفاته لمستويات التنمية البشرية، واستخداماته، ومصادر بياناته الإحصائية، وأوجه قصوره العملية.
يتميز مؤشر التنمية البشرية بأنه يدمج متوسط ثلاثة مؤشرات تنموية معروفة بطريقة مميزة تتيح قراءة نتائجها من منظور التنمية البشرية بشكل أكثر عملية. متوسط حياة الفرد أولها، ومستوى إدراكه ثانيها، ونصيبه من إجمالي الناتج المحلي ثالثها. يأخذ المتوسط الأول بعداً صحياً، والمتوسط الثاني بعداً تربوياً وتعليمياً، والمتوسط الثالث بعداً اقتصادياً.
تهدف آلية قياس المؤشر إلى الحصول على رقم من صفر إلى واحد من خلال قياس معدل التغير في المتوسطات الثلاثة أعلاه خلال السنة الواحدة باستخدام معادلات حسابية بسيطة. تصنف النتائج بعد ذلك إلى ثلاث فئات: تنمية بشرية عالية للأكثر من 80 في المائة، وتنمية بشرية متوسطة بين 50 و80 في المائة، تنمية بشرية ضعيفة للأقل من 50 في المائة.
وعلى الرغم من الجهود الإحصائية في إعداد مؤشر التنمية البشرية، إلا أنه يحتوي على مجموعة من أوجه القصور. من أهم هذه الأوجه أن المؤشر لا يأخذ في آلية قياسه فلسفة اقتصادات البيئة وانعكاساتها على مستويات التنمية البشرية. كما أنه يولي اهتماماً أكثر في المقارنة البينية بين الدول، عوضا عن التقويم الشمولي لجميع الدول. كما أنه أيضا أضاف القليل إلى تقييم العملية التنموية، عطفا على اعتماده على مؤشرات تنموية معروفة مسبقا.
ضم مؤشر التنمية البشرية عام 2008 في قائمته 179 دولة مقسمين إلى الفئات الثلاث أعلاه. ضمت الفئة الأولى، التنمية البشرية العالية، 75 دولة، بوجود أيسلندا في أعلى القائمة والبوسنة والهرسك على أدناها. وضمت الفئة الثانية، التنمية البشرية المتوسطة، 78 دولة، بوجود تركيا في أعلى القائمة والسنغال في أدناها. ضمت الفئة الثالثة، التنمية البشرية الضعيفة، 26 دولة، بوجود نيجيريا في أعلى القائمة وسيراليون في أدناها.
وعلى الرغم من مجموعة الآفاق والتحديات المحيطة بمؤشر التنمية البشرية، إلا أن الفوائد عديدة عند النظر إلى واقع التنمية البشرية السعودي من منظور هذا المؤشر. سجل مؤشر متوسط حياة الفرد مستوى 72.4 في المائة، وفي الترتيب 74 من أصل 179 دولة، وبعد كولومبيا وقبل جامايكا. وسجل مؤشر مستوى إدراك الفرد مستوى 84.3 في المائة، وفي الترتيب 78 من أصل 179 دولة، وبعد الجابون وقبل إيران.
وسجل مؤشر المعرفة مستوى 76 في المائة، وفي الترتيب 80 من أصل 179 دولة، وبعد تونس وقبل هندوراس. وسجل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي مبلغ 22.053 دولار أمريكي سنويا، وفي الترتيب 35 من أصل 179 دولة، وبعد كوريا الجنوبية وقبل جمهورية التشيك. وحصلت التنمية البشرية السعودية بشكل عام على نسبة 84 في المائة في مؤشر التنمية البشرية، وفي الترتيب 55 من أصل 179 دولة، وبعد جزر السيشيل وقبل بلغاريا.
نخلص من هذا التصنيفات إلى أمرين. الأمر الأول أن الجانبين الاقتصادي والتعليمي للفرد السعودي يعدان من الجوانب المتينة التي يمكن استثمارها في العملية التنموية السعودية الشاملة خلال الفترة المقبلة كونهما صنفا ضمن الفئة العالية. والأمر الثاني أن الجانبين الصحي والتربوي للفرد السعودي يعدان من الجوانب التي تحتاج إلى استثمار أكثر من غيرهما كونهما صنفا ضمن الفئة المتوسطة.
تقودنا هذه الخلاصة إلى أهمية التأكيد على تنمية الفرد السعودي من جميع الجوانب الاقتصادية، والتعليمية، والتربوية، والصحية بما يؤدي إلى تطويره تطويراً شاملاً يستطيع من خلاله استثمار جميع الفرص التنموية المقبلة نحو بلوغ آفاق الغد وتطلعاته، بعون الله تعالى.