عين على السياحة ..
بوجه مبتسم متهكما على ذاته يقول أحد الأصدقاء: لقد التهمت رحلة سياحية سعيدة إلى جدة مدخراتي التي وفرتها خلال أكثر من سنة حيث ذهب مع زوجته وأفراد أسرته الخمسة ثاني أيام عيد الفطر المبارك الذي مضى بسيارته إلى جدة لقضاء الإجازة بعد أن تبادل التهاني مع الأهل والأقارب والأصدقاء وعند وصوله جدة بعد سفر طويل لف سبع لفات حتى وجد شقة بثمانمائة ريال يوميا وقد كانت لقطة على حد تعبيره حيث الشقق الواسعة النظيفة تتجاوز ألفا ومائتين ريال وهنا أيقن أن أكثر من عشرة آلاف ريال طارت للسكن.
يقول صديقي هذا أنه ذهب وأسرته لأحد المطاعم المعروفة فكان متوسط الغداء أكثر من خمسمائة ريال، مضيفا أنه يوافق على معظم ما يريده أبناؤه في هذه الرحلة على اعتبار أنهم في رحلة سياحية تكسر الروتين والسعادة غاية يجب أن يحققها لهم وهو ما جعله يسحب بضعة آلاف للترفيه في أحد المواقع الترفيهية وأخرى للترفيه على البحر وثالثة لرحلة إلى إحدى الجزر ورابعة لشاليه على البحر ومثلها للمطاعم أما الأسواق فالجميع يعرف كيف تتجه النساء للأسواق وما أن انقضت الإجازة حتى وجد أن ما بقي في الحساب يكفي فقط لرحلة العودة فلقد طارت تحويشة السنة (نحو 50 ألف ريال) في عشرة أيام تقريبا.
راحت السكرة وجاءت الفكرة، يضيف صديقي قائلا تذكرت المشايخ عندما يقولون إن لذة المعاصي تذهبها حسرة الذنب ما جعله يؤكد لأبنائه أن العيد القادم سيكون في ربوع الرياض والمشاركة في برامج أمانة منطقة الرياض مشكورة أما السياحة الداخلية فذاك أمر قد ولى وذهب إلى غير رجعة ما لم تتحسن الأمور.
وأقول نحن نعيش جدلا حقيقيا حول القطاع السياحي في بلادنا وهو قطاع افتراضي إذا علمنا أن مكوناته تشكل عناصر في منظومة قطاعات أخرى فالشقق والفنادق تنتمي للسوق العقارية، ووسائل النقل تنتمي لقطاع النقل، والمطاعم تنتمي لقطاع الأغذية وهكذا وبالتالي يكون تنظيم عناصر السوق السياحية من شأن أجهزة حكومية متعددة وهو ما يشير إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار إنما هي هيئة مهمتها تشخيص الوضع السياحي في البلاد ومقارنته بالبلدان الأخرى أو تقييمه وفق معايير تقييم دقيقة ووضع خطة استراتيجية في عدة مسارات لتطويره باستنهاض همم الجهات الحكومية كافة لتقوم بمهامها لتطوير هذا القطاع ليلعب دوره التنموي المنشود، الذي يتجاوز التسلية والترفيه إلى تنويع القاعد الإنتاجية في بلادنا بما يرفد أسواقنا من المال ويقلل الفقد من المال في السياحة الخارجية.
الجدل ولا أقول الحوار والنقاش واقع في مجالسنا حيث البعض يمدح والآخر يقدح لعدم وجود مؤشرات مرجعية معلنة حول وضع القطاع السياحي في سنة ما في بلادنا ووضعه الحالي بعد تنفيذ الخطط الاستراتيجية والتكتيكية وتطلعاتنا المستقبلية لتلك السوق وما الفجوة بين المخطط له والمنفذ على أرض الواقع وما أسباب هذه الفجوة وما الجهات المتفاعلة إيجابا مع هيئة السياحة لتشكر وما المتقاعسة لتلام، ولو أن الهيئة العامة للسياحة أعلنت مؤشرا رئيسيا للسياحة يتكون من عدد من المؤشرات الفرعية وعلى سبيل الاقتراح مؤشر النقل، ومؤشر الخدمات الفندقية، ومؤشر الخدمات الترفيهية إلى غير ذلك من المؤشرات وقارنت وضع هذه المؤشرات بالدول المجاورة والدول المتقدمة وحثت الجميع على معالجة أوضاعها للتقدم في هذه المؤشرات التي تنعكس إيجابا على المؤشر الرئيس لأصبحنا على بينة وانتقلنا من مرحلة الجدل إلى الحوار المستند إلى مرجعيات والذي يفضي للفهم والتفهم والتفاهم والعمل والإنجاز والتقدم بالمحصلة.
أعلم أن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار طور وفريق العمل في الهيئة قبل أكثر من سبع سنوات خطة استراتيجية للنهوض بالقطاع السياحي في بلادنا وأعلم أن هناك إنجازات كبيرة تحققت ولكن غياب المؤشرات المعلنة التي تبين مدى التقدم في هذه الخطط وموقف بلادنا السياحي وعوائق التنمية السياحية ومن يقف وراءها جعلنا نفتقد الإحساس بمستوى التقدم في القطاع السياحي في بلادنا وانعكاساته على السياحة الداخلية ورفاهية المواطن ولاشك أن هذا أدى بطبيعة الحال إلى إحجام الاستثمارات في القطاع السياحي فضلا عن عدم تحمس أمانات المدن وبلدياتها لتطوير خطط داعمة لهؤلاء المستثمرين من خلال تأجير الأراضي بأسعار رمزية على سبيل المثال للمشاريع الترفيهية والفندقية وغيرها.
هل يمكن أن تطلق الهيئة العامة للسياحة مبادرة توضح أنها ستحقق أهدافا معينة في سنة محددة ولنقل على سبيل المثال مبادرة (8-18) والتي تعني أن تطور الهيئة ثمانية مؤشرات فرعية لقياس الوضع السياحي في بلادنا في ثمانية مسارات مقترحة مثل (التأشيرات، النقل، الترفيه، الفندقة، الإرشاد السياحي، المطاعم، المرافق العامة، الثقافة السياحية) بحيث تتجاوز نسب الإنجاز أكثر من 80 في المائة من الأهداف المنشودة عام 2018م، أعتقد يمكن لها ذلك بكل سهولة إذا استعانت بمكاتب استشارية متخصصة، وأعتقد حينها سوف ننتقل من مرحلة الجدل حول جودة الخدمات وأسعارها وأفضلية السياحة المحلية مقارنة بالخارجية، إلى غير ذلك من الأمور كما سننتقل من مرحلة الجدل السقيم إلى مرحلة الحوار والنقاش المحفز للعمل والإنتاج والعطاء والابتكار المتميز للنهوض بالقطاع السياحي لكي لا يفقد مواطن مدخرات سنة كاملة برحلة لا تتجاوز عشرة أيام للترفيه على أبنائه بمشاهدة مناطق بلادهم الحبيبة والتعرف عليها لتسكن في عميق ذاكرتهم ويفخروا بها.