البرلمانات الخليجية تثير التكهنات مجددا حول مستقبل ربط العملات الخليجية بالدولار
في خضم المناقشات التي تجريها السلطات التشريعية في دول مجلس التعاون الخليجي لإقرار مجلس النقد الخليجي، برزت التكهنات مجددا حول مصير ربط العملات الخليجية بالعملة الأمريكية، حيث أقر البرلمان البحريني الأسبوع الماضي اتفاقية الاتحاد لتصبح البحرين الدولة الخليجية الثانية بعد السعودية في إقرار المشروع، في حين أجل البرلمان الكويتي لغاية الشهر المقبل التصويت على الاتفاقية بعد أن أثار النواب الكويتيون موضوع الربط هذا، مما دعا وزير الخارجية الكويتي محمد سالم الصباح للتصريح بأن دول المجلس ستبحث موضوع ربط عملتها الموحدة المرتقبة بعملة واحدة أو سلة عملات بدلا من الدولار الأمريكي، موضحا أنه ليس ضروريا ربط عملة مجلس التعاون المرتقبة بعملة معينة. وأضاف أن الربط قد يكون بعملة واحدة أو سلة عملات وأن الدول الخليجية ستبحث هذا الأمر.
وباستثناء الكويت، التي أنهت قبل عامين ربط عملتها بالدولار لصالح سلة عملات، تربط الدول الثلاث الأخرى التي انضمت للوحدة النقدية وهي السعودية وقطر والبحرين عملاتها بالدولار.
بينما اعتبر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي حمد الجاسر في تصريحات قبل عدة أيام أن ربط العملة السعودية بالدولار الأمريكي يخدم المملكة وأن ذلك سيستمر ما دام الدولار هو عملة الاحتياط العالمية الرئيسية.
وقد أصدر معهد التمويل الدولي أخيرا دراسة تحديثية حول أداء اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي دعم فيها التصريحات السعودية، موضحا أن الضغوط بشأن موضوع الربط قد تراجعت في المدى المنظور كون الدورة الاقتصادية للاقتصاد الأمريكي تتماثل مع الدورة الاقتصادية الراهنة للاقتصاديات الخليجية من حيث خفض أسعار الفائدة لحفز الاستثمار والإنفاق، علاوة على تراجع معدلات التضخم التي يتوقعها المعهد أن تراوح بحدود 2.5 في المائة خلال عام 2009 بالمقارنة بـ 10 في المائة خلال عام 2008. ويشير محللون إلى أن العملة الأمريكية تراجعت إلى أدنى مستوياتها في 15 شهرا أمام سلة من ست عملات رئيسية خلال الأسبوع الماضي، وهو من شأنه خدمة الدول المنتجة للنفط، حيث إن من شأن انخفاض العملة الأمريكية زيادة الطلب في الأسواق. وارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة ساعد اقتصاديات الدول الخليجية على الخروج من مرحلة التباطؤ الاقتصادي جراء الأزمة المالية العالمية وعودتها أخيرا للانتعاش.
في الجانب الآخر، أظهرت توقعات صندوق النقد الدولي للاقتصاديات الخليجية التي صدرت خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أن معدلات نمو السيولة في دول مجلس التعاون الخليجي سوف تتأثر بصورة كبيرة من جراء الأزمة العالمية الراهنة. فقد بلغت معدلات نمو السيولة 22 في المائة عام 2006 و26.8 في المائة عام 2007 و20.1 في المائة عام 2008، لكنها سوف تنخفض إلى 9.5 في المائة عام 2009. بينما تنخفض معدلات التضخم من 10.7 في المائة عام 2008 إلى 5.3 في المائة عام 2009.
ويقول الصندوق في مراجعته الأخيرة إن السياسة النقدية في دول مجلس التعاون الخليجي سوف تظل مقيدة بسعر صرف ثابت مع الدولار، وهذا يدفع بأسعار الفائدة المحلية بتعقب نسب الفائدة المطبقة في الولايات المتحدة، بينما تنحصر عمليات المصارف المركزية بشكل كبير في تحسين وضع السيولة من خلال إصدار شهادات الودائع أو الأدوات الأخرى.
ويضيف أنه لا يبدو في الأفق توجه بارز لدول مجلس التعاون لتغيير سياسات الارتباط بالدولار باستثناء الكويت التي تحولت إلى ربط عملتها بسلة من العملات (دون الكشف عن أوزان هذه العملات)، إلا أن ذلك لا ينفي الحاجة لممارسة سياسات نقدية أكثر مرونة في المدى المتوسط فيما يخص تقييم العملات المحلية مقابل الدولار، خاصة أن الركود الاقتصادي الأمريكي سوف يستمر – وفقا للعديد من التوقعات – حتى عام 2010.
وحول تأثيرات الأزمة المالية في ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، يقول الصندوق إن الأزمة المالية خفضت احتمال فك الارتباط بينهما إلى الصفر، حيث إن القيام بهذه الخطوة وسط التقلبات الحادة في الأسواق المالية العالمية، والركود الاقتصادي، وطبيعة السياسات الاقتصادية والنقدية المتعامل فيها مع هذه الأوضاع سوف يؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار العملات الخليجية في وقت تحتاج فيه دول المنطقة إلى استقرار عملاتها. كما أن الضغوط التضخمية التي كانت تشجع على فك الارتباط آخذة في التراجع.
وأبدى الصندوق تفهمه لدواعي تبنّي دول مجلس التعاون الخليجي الست نظام سعر صرف أكثر مرونة، بعد قيام الاتحاد النقدي، لكنه رأى أن الإبقاء على النظام الحالي الثابت نسبياً القائم على الارتباط بالدولار، يشكل الخيار الأفضل والأكثر ملاءمة للدول الأعضاء، خصوصاً لتمكينها من استخدام سياستها النقدية بفاعلية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي المحلي.
وقال إن الربط بالدولار يسمح للمنطقة بالحد من التقلبات في أسعار الصرف وحركة رأس المال، التي يحتمل أن تنجم عن التطورات الطارئة غير المرتبطة بالأساسيات، مثل الأخطار الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط الخام. وأوضح أن أهم الميزات الأخرى لربط العملة الخليجية الموحّدة بالدولار في العام المقبل تشمل، تمكين دول الخليج من إرساء سيـاستها النقدية على ركيزة موثوقة سهلة الفهم، إضافة إلى تبسيط إجراءات عقد الصفقات التجارية والمالية وإنجاز المهمات المحاسبية وتخطيط مشاريع الأعمال.
لكنه أشار إلى جملة من الأسباب التي تجعل تعويم العملة الموحدة خياراً بعيد المدى، أبرزها التحديات المرتبطة باختيار ركيزة بديلة والحاجة إلى تطبيق عدد من الإصلاحات المالية وآليات اتخاذ القرار لتفعيل نظام التعويم. واستبعدت الدراسة خيار التحوّل إلى ربط العملة بسلة من العملات، مشيرة إلى أن هذا النظام الذي تبنته الكويت في عام 2007، يكسب العملة الموحدّة مرونة ويحد من آثار تقلبات أسعار صرف العملات الرئيسة، لكنه لا يمنح دول المجلس سياسة نقدية مستقلة، كما أن ربط سعر الصرف بسعر النفط الخام غير ملائم بسبب آثاره السلبية في القطاعات الاقتصادية الأخرى، على الرغم منميزاته الإيجابية المتمثلة في التحوّط ضد صدمات التجارة الخارجية.
ومن بين نظم الصرف الأربعة الرئيسة المتاحة للدول الخليجية، وهي الربط بالدولار أو سلة من العملات أو سعر النفط أو التعويم المقيد، يبدو الربط بالدولار الخيار الأنسب والأقل تكلفة ليس فقط في الفترة الانتقالية الحالية إنما في المدى القصير، بعد إطلاق الوحدة النقدية.
ولفت خبراء صندوق النقد إلى أن مجلس التعاون الخليجي سيحتاج إلى إعادة النظر في نظام الربط بالدولار، في حال تعرّض سعر صرفه لموجة جديدة من التراجعات أمام العملات الرئيسة الأخرى، وجزموا بأن التحوّل إلى سلة من العملات سيكون حينئذ الخيار الأنسب مع استبعاد خيار التعويم في المدى القصير. وحذّر خبير أسعار الصرف الأمريكي المخضرم، ستيفن جين، في تحليل استراتيجي نشره مصرف مورجان ستانلي من أن تقلبات مفاجئة تنتظر الدولار في العام الجاري والأعوام اللاحقة، مؤكداً أن الظاهرة المثيرة التي حققت للدولار مكاسب ضخمة على الرغم من النتائج الكارثية لأزمة الرهون الأمريكية، لم تنته بعد.