وحدة المراجعة الداخلية.. أو حوكمة القطاع العام
من منطلق المحافظة على أموال الدولة, صدر قرار مجلس الوزراء ذي الرقم 235 وتاريخ 20/8/1425هـ المنبثق عن التوصيات التي انتهى إليها المشاركون في الندوة التي نظمها ديوان المراقبة العامة حول سبل تعزيز التعاون لتحقيق أهداف المراجعة الشاملة والرقابة على الأداء. والذي تلاه أيضا صدور اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 129 في 6/4/1428هـ. هذا القرار ينبئ عن تطوير شامل للقطاعات الحكومية سيحقق نتائج عظيمة ـ بإذن الله ـ في المحافظة على الأموال العامة والتحقق من تنفيذ الخطط والبرامج المرسومة وتحقيق فعالية الأداء في هذا النطاق. كما يقود للتأكد من فعالية واستقلالية أنظمة الرقابة الداخلية.
من المعروف أن عمليات التدقيق المالي والمراجعة في القطاعات الحكومية تتم من خلال مرحلتين، المرحلة الأولى مرحلة سابقة للصرف يقوم بها قسم التدقيق المالي في الجهة الحكومية. ثم مراجعة لاحقة يقوم بها جهاز المراجعة الحكومية المستقل، وهو ديوان المراقبة العامة. وأتمنى ألا يكون من ضمن مهام وحدة المراجعة الداخلية القيام بأعمال أي من هاتين الجهتين، حتى لا يكون هناك تكرار أو تداخل في المهام بين الوحدات الثلاث. فمسمى وحدة المراجعة الداخلية قد ينبئ عن وجود عمليات مراجعة مالية تقوم بها هذه الوحدة على حساب المهام والمسؤوليات الأخرى التي أنيطت بهذه الوحدة ضمن قرار مجلس الوزراء.
إن عمليات الرقابة المالية على الصرف اللاحقة منها والسابقة تعد عمليات كافية للتأكد من صحة العمليات المالية. ولكن الحاجة إلى نوع آخر من عمليات الرقابة, والتي منها على سبيل المثال، عمليات الرقابة على البرامج والأهداف وما تحقق منها وبيان أسباب الانحراف وسبل المعالجة السليمة لها. الرقابة على الموظفين ورؤسائهم والتأكد من انتفاء استخدام السلطة في تحقيق مصالح شخصية على حساب العمل. الرقابة على أساليب الاختيار والتعيين للمناصب الإدارية والوظائف القيادية وتحديد اشتراطات شغل مثل هذه المناصب وضمان الحيادية في الاختيار. ضمان تحقيق مصالح المستفيدين الداخليين والخارجيين من الوحدة الحكومية. الرقابة على إدارات المشتريات والمخازن والتأكد من تطبيق أنظمة صارمة لضمان فعالية هذه الأقسام. مساءلة أي شخص يثبت إخلاله بقواعد العمل أو استغلاله الوظيفة لتحقيق مكاسب خاصة.
إن تفعيل وحدات المراجعة الداخلية والتأكد من استقلاليتها يعدان نقطة الانطلاق لتطوير إداري شامل سيعود بالنفع على الوطن. لهذا فإن اختيار قيادات وموظفي وحدة المراجعة الداخلية يجب أن يتم بشكل دقيق ويراعى فيه التأهيل العلمي المناسب، ثم إن تطوير وتدريب هذه الكفاءات يجب أن يتم بشكل دوري ومستمر. وأن يتم تدوير هذه الوظائف بين القطاعات المختلفة. ومن المحبذ أيضا ألا يكتفى بوجود الخبرات الوظيفية المتاحة وأن يستفاد من اللجان المشكلة أو كما يعرف في القطاعات الخاصة بالمديرين غير التنفيذيين Non-Executive Manager وهم أشخاص لا يعملون في تلك الجهة، وإنما يشاركون في مجلس إدارتها بصفتهم مستقلين. وهنا قد يتم الاستفادة من الخبرات الأكاديمية التي تزخر بها المملكة وخبرات منسوبي القطاع الخاص في تقديم عمليات الاستشارات والرقابة على وحدات وأفرع الجهات الحكومية.
لهذا فإني أجد أن هناك تشابها كبيرا بين مهام وأهداف إنشاء وحدات المراجعة الداخلية في القطاعات والمؤسسات الحكومية وبين ما يعرف بحوكمة الشركات Corporate Governance من ناحية أن عمل هذه اللجنة يعد رقابيا، ويسعى لتحقيق درجة عالية من الاستقلالية في المصالح. من خلال ضمان رقابة فعالة ورفع مستوى الشفافية والإفصاح. فهل نرى الاهتمام يزداد بموضوع الحوكمة في القطاع العام ونشهد تفعيلا لممارسات الحوكمة بما يخدم توجهات وتطلعات قيادتنا في تفعيل دور المؤسسات العامة والمحافظة على الأموال؟!