الحج.. مواجهة تحديث معايير الأداء والتشغيل
الحج ركن من أركان الإسلام، الذي أُطر بشعائر يؤديها المسلم، القادر، السليم، صحيح البدن، في مواقع محددة، وبأساليب معينة، وفي أوقات محددة، لغرض تلبية دعوة خاصة، من لدن العزيز العظيم. كل تلك من محددات ومعايير أداء الفريضة، لذلك فلا يرضى مسؤول أن يُخل بأي إجراء، كما لا يرضى مقدم الخدمة على نفسه أن يهفو أو يسهو لأنه يخدم ضيوف العزيز الرحيم. هذه الإجراءات الدقيقة والأفعال السامية والتوقيت المحدود تتطلب روحا عالية تتجلى في البحث عن تطوير كل ما حولنا وكيف نقوم به بجودة متناهية لوجه الله الكريم.
لذلك أرى أن أداء الأجهزة المختلفة في هذا الوقت يكون في أوج الإتقان وأفضل الإنتاجية، إذا ما شرعت في تحديث وإعادة صياغة معايير العمل والأداء مع المراجعة التامة لكل الأدلة والاشتراطات بناء على ما يستجد كل عام. لقد ازدانت منطقة المشاعر بجمال الموقع وجمال التنظيم. فباستمرار تحسين البنى التحتية التي تتناسب والتوسع الهائل عمرانيا وخدميا، وزيادة مساحات التخييم في عرفات ومواقع الإسكان في منى، واستكمال بناء وتشغيل جسر الجمرات الفريد من نوعه، نعيش تطويرا خدميا يتطلب شمولية في تقنين الأداء أكثر وبشكل أدق. مع أن الخدمات في الحج طارئة إلا أنها تقدم في مرافق كأنها فنادق مصنفة من أعلى درجات التصنيف فيستحيل مع ذلك تصديق الواقع. في الواقع السعودية هي الوحيدة التي يمكن أن تضع معايير الأداء لمناسك الحج في مواقع الخدمة وتمكين الآخرين من الاطلاع على هذه المعايير قبل القدوم. وبمراجعتها سنويا لاستيعاب خطوات الإجراءات في منطقة المشاعر بما يضمن سلامة وسلاسة حركة الحاج والقيام بالعبادات، سنكون قد تخطينا مرحلة تصميم معايير أداء الخدمات وبدأنا نحافظ على تحديثها ومواصلة تجويد الأداء، وخصوصا أن القيادة الحكيمة ـ أعزها الله ـ سعت وتسعى دائما إلى أن يكون في حج كل عام تحسين وتطوير جديدين للمناطق أو العمليات والخدمات، ما يعكس الاهتمام البالغ براحة الحجيج وتمتعهم بالأمان والطمأنينة خلال أداء الفريضة. لذلك ليكن الحاج القادم من أقصى الأرض شاهدا على أن هذا البلد ـ بإذن الله ـ آمن وأمين.
عندما اتفق في تموز (يوليو) الماضي وزراء الصحة العرب، على معايير صحية وقائية لموسمي الحج والعمرة، نتيجة انتشار مرض إنفلونزا الخنازير. كان التحرك في حد ذاته بمعايير شمولية للأمراض المعدية وأخرى أكثر دقة لمرض إنفلونزا الخنازير، هادفين لتحقيق أفضل الاحترازات الوقائية الضامنة لسلامة الحجيج والمعتمرين والزائرين. في المشاعر هذا يعني أن أداء الوظائف في مرفق صحي استحدث لتقديم خدمة من نوع جديد قد تعدل وحدثت فقراته، كما أنه لو استحدثت تقنية جديدة في الاتصالات أو في أداء خدمة تقنية معينة، أو استخدم جهاز لأول مرة في عدة مواقع، أو مركبة تتحرك في مسار معين لنقل الحجاج أو العاملين، فلا بد أن يكون الاستخدام بمعايير معينة وفي حدود الاشتراطات التي صنع أو ركب من أجلها هذا الجهاز أو تلك المركبة. وبالتالي يستوجب ذلك إعداد أو إعادة صياغة معايير التشغيل أو العمل بشكل عام بشكل سنوي في المشاعر. لا ننسى أيضا معايير جمع وتحليل وعرض الإحصائيات وإصدار القرارات المعتمدة على الاستنتاجات، حيث هناك قرارات يومية وأسبوعية وشهرية وكذلك سنوية تتعلق بالاستعدادات والتنظيم. وبما أننا نشهد في كل عام، متغيرات جديدة في طبائع البشر أو أخلاقيات المهن أو آليات العمل، في منطقة المشاعر ومواقع الحجاج المختلفة، فحتما سنجد أن تحليل بعض الإحصائيات بتوافر المختصين الذين يجيدون قراءة ومعالجة الأرقام لفهمها بعدة طرق، سيخرجون بالمقترحات التي من شأنها أن تنهي عناء وظيفيا معينا، أو إقصاء وسيلة من الخدمة تماما أو غير ذلك لتحقيق الغاية الأفضل والأسمَى. من ناحية الإعلام، فلله الحمد، لدينا حصيلة كبيرة جدا من الأفلام الوثائقية والصور المختلفة، إضافة إلى المطبوعات التي تمتد لعقود من الأزمان، ونفتخر بذلك، ولكن نتطلع إلى احتراف العمل فيه والتفنن في نقل الحدث وبث الرسالة والاهتمام به كصناعة تغري أقطابها المتميزين حول العالم بالمشاركة والحصول على فرصة الوجود ولو عن بعد، فنحقق التكامل والتوافق بين معايير العمل هنا وفي أفضل أستوديوهات الفن العالمية هناك. ونتمكن من الوقوف على أرض مكنت جميع الأجهزة من العمل في وحدة واحدة مؤكدة في رسالة جديدة، كيف تمكنا من درء الأزمات والكوارث في مواقع ضيقة تعج بالناس من كل جنس ولون، أتَوا من كل مكان في العالم لا همّ لهم إلا إحسان المولى عز وجل ومغفرته ورضوانه.
هذه أمثلة فقط لبعض الجهات والأجهزة، ولكن لماذا تهمنا المعايير؟. الإجابة باختصار شديد: لأنها تحقق حسن الأداء، وفاعلية الأدوات المستخدمة والتجهيزات. وتحافظ على روعة المصنوع والمنتج، والاهتمام بنظام ونظافة كل ما حولنا وبين أيدينا في بيئة العمل، وتؤدي إلى حصر كل الإجراءات والعمليات ومن ثم بناء قواعد البيانات. وبالاعتماد على المخرجات بشكل أكبر، تتحسن العلاقات وتتكامل الأدوار، ويتواصل التقييم المستمر لكفاءة أداء المنظومة. هذا بالطبع سيزيد من الشعور بالأمان، الذي يوفر الطمأنينة والرضا عما يقدم من جميع الأطراف في جميع الأماكن. كما أنه يعزز التوقعات، ويرفع مستوى الاستعدادات، فيكون وضع الخطط أَصوب، وتنفيذها أكمل وأتم، ويكون الإبداع أبرز في كل موقع وبكل خدمة.
هي للأجهزة الحكومية والأهلية تقنين وتنظيم وهيكلة وقيمة مضافة عبر تاريخ مديد، وللفرد منا شرف وفخر باحتراف للعمل بشكل أكيد، وللحاج والزائر تيسير وتسهيل لشعائر كانت تُؤدَّى بعناء شديد. فحمى الله الحجاج من كل سوء، وسلمهم من كل شر، وأعانهم على أداء الشعيرة في طمأنينة وأمان، وأعادهم إلى ديارهم وقد تقبل منهم الطاعات وغفر لهم الزلات، إنه هو الجواد الكريم.