هل تفسر الأحداث بالقلق؟
الإنسان بما أودع فيه من غرائز وحاجات فسيولوجية ونفسية معني بالحركة، وبذل الأسباب وطلب الرزق لإشباع هذه الحاجات، وتهدئة الغرائز، والأمر الطبيعي أن يتم الإشباع بالطرق الشرعية والطبيعية التي لا تخرج الفرد عن إنسانيته، أو تحدث الفوضى والبلبلة في المجتمع, لذا فالوضع الطبيعي هو سعي الفرد والعمل الجاد للاستقرار والعيش بسلام داخل الذات والأسرة، والسعي إلى تطوير الوضع المعاشي والمحافظة على الصحة، وهذا الشيء ليس مقتصراً على مجتمع دون آخر، أو عرق من الأعراق, بل إن البشرية تتماثل في هذه الأسس الفطرية مع أن التعليم والثقافة التي يتمتع بها الفرد أو المجتمع لها دور في تحفيز الفرد لمزيد من النشاط والحيوية، كما أن الأحداث والظروف التي يتعرضون لها تكون سببا من أسباب زيادة الهمة, والسعي الدؤوب والدافعية العالية.
وباستقراء الأحداث في بعض الحقب التاريخية يجد المرء أن حدثاً ما في مجتمع من المجتمعات, وفي حقبة زمنية تسبب في إحداث تغيير اجتماعي ترتبت عليه مفاهيم اجتماعية غريبة, وربما غير مفهومة في البداية من قبل أناس تلك الفترة، حتى أن المفاهيم الجديدة تتحول إلى محفزات جاذبة تغري الأفراد للتعرف عليها, والوقوف على مضامينها حتى ولو من قبل حب الاستطلاع في بادئ الأمر. عند بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت المبادئ, والمفاهيم التي بشر بها مثل علاقة الإنسان بربه وخالقه, والدنيا والآخرة، والعدل, والمساواة، والجنة, والنار، والتكافل الاجتماعي, كلها مفاهيم جديدة وغريبة على المجتمع العربي في الجزيرة العربية, لكن هذه المفاهيم جذبت الناس للتعرف عليها والوقوف على أبعادها ومضامينها. حتى أن جهابذة قريش كانوا يغتنمون الفرص لسماع القرآن الكريم والتعرف على أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه من المسلمين, وأصبح ما يبشر به مدار حديث ونقاش بينهم حتى تحول الأمر إلى صراع بين الدين الجديد والمفاهيم الجاهلية.
في بدايات القرن العشرين وعند قيام الثورة البلشفية, وتحول المجتمع الروسي من مجتمع إقطاعي ارستقراطي إلى مجتمع اشتراكي, أصبحت المفاهيم الاشتراكية محل إغراء وجذب لبعض الناس في كثير من أنحاء العالم, خاصة أن النظام الجديد أصبح له مفكروه وكتابه الذين أصبحوا يروجون له وينشرونه عبر وسائل متعددة, خاصة الكتب والقصص والروايات، وأغرت المفاهيم الاشتراكية أبناء المجتمعات الفقيرة حيث وجدوا في هذه المفاهيم حلا لمشكلاتهم, أو ظنوا كذلك، لكن هذه الأحلام تبخرت مع الوقت عند الممارسة, إذ لم يجد الناس تحقيقا للمفاهيم على أرض الواقع حتى سقط الاتحاد السوفياتي وبدأ الناس يبحثون عن مفاهيم ونظام حياة جديد.
وقبل عام من الآن وعند انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة تحول هذا الحدث إلى فرصة للبحث فيما سمي وقتها بظاهرة أوباما حتى أن أفعاله وتصرفاته وقراراته أصبحت محل مناقشة ومناظرات وكتابات، وظهر على الساحة الأمريكية من يتهم أوباما بالميول اليسارية والتوجهات الاشتراكية وسارت المظاهرات والمسيرات في جادة بنسلفانيا في واشنطن منددة بالتوجه الاشتراكي لأوباما, وصورت سياساته بالخطر على النظام الرأسمالي، وبدأ الناس نتيجة هذا المناخ المفعم بالحراك الاجتماعي والإعلامي بالبحث والاستقصاء بشأن الاشتراكية والمفاهيم ذات الصلة بها, خاصة ما له علاقة بالاقتصاد, وحياة الناس المباشرة كالصحة, والسكن, ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث من مداولات وتعليقات ومناقشات سواء في الكونجرس, أو الإعلام بشأن التأمين الصحي الذي تقدم به أوباما للمجلس, أما على الساحة العربية والإسلامية فإن عبارات أوباما تجاه العالم الإسلامي وجدت ترحيباً وتفاؤلاً في غير محله, ما أعطى هذه التصريحات بعداً فلسفياً أكبر من حجمها.
في عام 2001 وعندما حدثت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ولقوة الحدث وتأثيره الشديد في الولايات المتحدة الأمريكية سواء على المستوى السياسي, أو على مستوى عامة الناس تداعى كثير من الناس على المكتبات لشراء الكتب ذات العلاقة بالإسلام حتى أن الكتب نفدت نظراً لكثرة الطلب, وتذكر وسائل الإعلام أن المراكز الإسلامية والمساجد باتت تستقبل كثيرا من الناس الراغبين في التعرف على الإسلام نظراً لارتباط أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ببعض المسلمين.
قبل أشهر عقدت الانتخابات الإيرانية وفاز محمود أحمدي نجاد برئاسة الدولة لكن هذا الحدث أسفر عنه أحداث واضطرابات عمت البلد, وفي ظني أن قلق الشعوب الإيرانية بشأن مستقبلها ومستقبل وطنها وحياتها كان سبباً رئيساً لما تعيشه إيران بفعل ذلك الحدث.
الأحداث ذات تأثير في حياة الناس وفي تفكيرهم واتجاهاتهم, وتحديد علاقاتهم بالآخرين, أو في مواقفهم إزاء نظم اجتماعية أو أديان كثيرة عبر تاريخ البشرية على هذه الأرض, لكن ما يهمنا معرفته والوقوف عليه هو الأسباب الكامنة وراء سعي الناس إلى معرفة المفاهيم الجديدة, أو ذات العلاقة بالحدث حتى إن لم تكن جديدة. هل الأسباب اقتصادية بحتة أم أنها نفسية أم عقائدية؟ في ظني أن القلق كحالة نفسية يمثل قاسما مشتركاً لجميع الأسباب, فالقلق قد يكون ذا منشأ اقتصادي ومعاشي, وقد يكون بحثا عن الأمن والمحافظة على الحياة, كما قد يكون لسبب عقائدي, فالحيرة التي يعانيها الإنسان تقوده إلى البحث والاستقصاء بفعل حالة القلق التي يعيشها بهدف الوصول إلى إجابات عن الأسئلة التي تدور في ذهنه بشأن معتقد قد يجد فيه الراحة والطمأنينة, كما أن حب الاستطلاع يمثل سببا آخر من أسباب القلق, إذ إن غموض بعض الأشياء يدعو الفرد إلى السعي حثيثا لفك أسرارها وكشف غموضها. ولذا لا غرابة أن يسعى الناس بين فينة وأخرى, وبفعل واقعهم إلى البحث عما يحل مشكلاتهم, أو يروي ظمأهم المعرفي, ويروي حاجة حب الاستطلاع لديهم.