مجلس الشورى ومستقبل النفط
كان خبراً سارًّا عند ما قرأنا في الصحف المحلية أن مجلس الشورى الموقر يبحث في المواضيع الاستراتيجية المهمة مثل سياسة مستقبل الثروة النفطية في هذه البلاد المباركة، وهو موضوع كان من المأمول أن يكون من أولويات اهتمامات المجلس منذ مدة طويلة، ولكنها على كل حال لفتة طيبة من الإخوان الذين تقدموا بطلب فتح ملف موضوع يهم كل مواطن ويتعلق بمصير أجيالنا المقبلة.
ومحور مناقشة مجلس الشورى كان يرتكز على مسألة المفاضلة بين موقفين. الأول يرى أن إبقاء أكبر كمية ممكنة من النفط في مكامنه تحت الأرض أكثر فائدة لأجيالنا وأقوى ضمانا لمستقبلهم. أما الفريق الثاني، فيُفضِّل إنتاج أكبر كمية ممكنة في الوقت الحاضر لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، واستثمار فائض الدخل في البنية التحتية التي مآلها للأجيال. وحافز الرأي الأخير هو الخوف من أن يأتي اليوم الذي يستبدل فيه العالم النفط ببدائل جديدة لمصادر الطاقة فتهبط أسعاره، وربما يُستغنى عنه ويظل المتبقي منه في الأرض دون استغلال. ومن الواضح أن هذا الموقف مُستمد من ثقافة قديمة عفى عليها الزمن كانت مبنية على الخوف من البدائل، وهو لا يستند إلى أي دليل علمي أو تاريخي مقبول. فلا خوف من حدوث “معجزة” في عالم مصادر الطاقة تُفاجئنا وتحل مكان نفطنا. وليس من المناسب أن نبني قرارات مصيرية على أوهام. ولو فرضنا جدلاً أن أحداً توصل إلى طريقة علمية جديدة لإنتاج الطاقة بأقل من تكلفة النفط، فلن يكون استخدام المصدر الجديد محصوراً على الطرف الذي أنتجه، بل إنه سيكون في متناول الجميع. ومع أننا واثقون، حسب المعلومات العلمية والتقنية المتوافرة لدى جميع شعوب الأرض اليوم، أنه لا يوجد ما هو أفضل من النفط على المدى المنظور. ثم لماذا نخشى منافسا جديدا للنفط قد يُحِّوله إلى سلعة رخيصة ولا نخشى نضوبه المبكر إذا نحن أسرفنا في إنتاجه دون حاجة قومية مُلحة؟ إننا نتمنى أن يمن الله علينا بوجود مصدر مُتيسِّر ورخيص للطاقة وغير قابل للنضوب أفضل من النفط، ونترك نفطنا يقضي باقي حياته تحت الأرض.
ولكن استخدام النفط ليس مقصوراً على توليد الطاقة، ينتهي عصره إذا وُجد أفضل منه. فالمشتقات النفطية هي أيضا مصدر مهم وأساسي للمواد الأولية لكثير من الصناعات البتروكيماوية التي تُمدُّ المجتمعات الإنسانية بأنواع لا حصر لها من المنتجات الصناعية التي نستخدمها في جميع شؤون حياتنا، وبمواد رصف الطرق والأسمدة التي لا غنى لنا عنها في إنتاج غذائنا. وبناء على ذلك، فنستطيع القول وبكل تأكيد إن العالم لن يستغني عن النفط تحت أي ظرف من الظروف، حتى ولو توصلوا إلى إيجاد مصادر جديدة لتوليد الطاقة. وهذا ما يجعلنا نحرص على ترشيده والمحافظة عليه من أجل المستقبل.
ونود أن نشكر إخواننا الأفاضل أعضاء مجلس الشورى على اهتمامهم بموضوع هو في نظرنا الأهم بين جميع المواضيع التي مرت عليهم خلال السنوات الماضية من حيث المصلحة الوطنية لمستقبل بلادنا. ونرجو ألا يغيب عن البال أن ما نتحدث عنه هو موضوع حساس وشائك، يرتبط ارتباطاً مباشراً بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية للمملكة والاقتصاد المحلي والعالمي، مما يُوجب إيجاد موقف متوازن بين تلك العوامل. ولا نعتقد أننا سنُلام لو قدمنا مصالحنا الوطنية على المصالح الأخرى، خصوصاً أننا دولة صغيرة واقتصادنا لا يكاد يُذكر بالنسبة للاقتصاد العالمي. وتتميز بلادنا بطبيعتها الصحراوية التي لا يوجد فيها بعد عصر النفط من مقومات الحياة ما يجعلنا نطمئن على مستقبل أجيالنا. ولا بأس من المشاركة مع غيرنا في التعاون على خلق مُناخ اقتصادي يخدم الجميع، ولكن بقدر يتناسب مع حجمنا في المجتمع الدولي. ولا نتوقع أن أحداً سيهب لمساعدتنا لو ــ لا قدر الله ــ نضبت ثروتنا قبل أن يتوافر بديل لها. فقد كانت بلادنا قبل عصر النفط من أفقر بلدان الأرض, ولم نسمع أن بلداً قدم لنا أي نوع من المساعدات، وهم اليوم ليسوا أكثر كرماً ولا أقرب مودة.
ونحن مع الفريق الأول الذي ينادي بترشيد إنتاج النفط على قدر حاجتنا للدخل دون إفراط أو تفريط، وهذه السياسة بطبيعة الحال تستدعي أن نُبين للمستهلكين أن مصلحتنا، وليس الطلب العالمي، هي التي تُحدد كميات إنتاجنا، كما أنه لكل دولة مصالحها الخاصة التي تذود دونها. وعلينا أن نتبنى مبدأ الحفاظ على الثروة، مع الاعتقاد والإيمان بأن قيمة برميل النفط الموجود تحت الأرض أعلى من قيمته بعد الإنتاج، وهي عكس نظرة المستثمر الأجنبي الذي لا يعتبر للنفط قيمة وهو لا يزال تحت الأرض. فنحن نبيع البرميل اليوم بمبلغ لا يتجاوز الـ 75 دولاراً، ولكننا نتوقع أن يرتفع السعر إلى مستوى أعلى بكثير خلال السنوات المقبلة، فيكون بقاؤه أفضل استثماراً من بيعه اليوم. ولذلك يجب أن نُغيِّر من سياستنا القديمة التي كنا نُقاوم بها ما يمكن أن يُؤدي إلى استخدام مصادر منافسة للنفط، خوفاً من الاستغناء عنه. بل على العكس من ذلك، فوجود بدائل أصبح أمراً ضرورياًّ ويخدم مصلحتنا حتى لا نضطر إلى استنزاف ما تبقى من نفطنا خلال زمن قصير. ورب سائل يقول كيف ذلك، ونحن نحتضن أكبر احتياطي في العالم؟ والجواب بسيط، فمع مرور الوقت سيتناقص إنتاج النفط عالمياًّ وتُقفل كثير من الآبار المنتجة، وفي المقابل فالطلب العالمي على الطاقة في حالة ازدياد. ولا هناك مجال للمستهلكين مع غياب البدائل إلا أن يلجأوا إلى منْ لديه القدرة على زيادة الإنتاج ونحن من أولهم. فإذا لم يكن لدينا سياسة ترشيد للإنتاج واضحة وثابتة تخدم مصالحنا وتضع الدول المستهلكة أمام أمر واقع، أساسه تمسكنا بسيادتنا الوطنية، فسنضطر إلى تلبية رغباتهم ورفع الإنتاج. وبذلك نكون قد أسهمنا في تعجيل نضوب ثروتنا النفطية, وهو ما لا نود له أن يحدث. ومن أجل تأكيد أهمية ترشيد استخراج النفط وعدم الإسراف في استنزافه، نذكر الاتجاه السليم الذي بدأت تنتهجه المملكة نحو التخطيط لبناء مرافق جديدة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، بدلاً من حرق كميات هائلة من الغاز والمشتقات النفطية وتوفيرها من أجل استخدامها في توسيع خطط التنمية الاقتصادية المحلية.